24ساعة-متابعة
تعد ظاهرة انتشار المرضى النفسيين في الشوارع إحدى التحديات الاجتماعية والإنسانية الملحة في المغرب، حيث تعاني العديد من المدن من تفاقم هذه المشكلة التي تطال كرامة الإنسان وتهدد الأمن العام.
وفي وقت يستعد المغرب لاستضافة تظاهرات عالمية كبرى، تبرز هذه الإشكالية كواجهة غير مقبولة تناقض صورة البلاد وتطورها.
في هذا السياق، قال أيوب كرير، الباحث في مجال التنمية المستدامة ورئيس جمعية أكسجين للبيئة والصحة، إن هؤلاء المرضى النفسيين يمثلون “قنابل موقوتة” تنفجر باستمرار في وجه المواطنين، مما يجعل هذه الظاهرة وصمة عار تلطخ صورة المملكة.
وأوضح كرير في تصريحه لـ”24 ساعة”، أن وجود هؤلاء المرضى النفسيين في الشوارع، الأزقة، وعلى قارعة الطريق دون تدخل يذكر من الجهات المسؤولة يعكس حجم الإهمال الرسمي لهذه الفئة.
وبحسب كرير، تكشف هذه الأزمة عن تقصير واضح من مختلف الأطراف المسؤولة، إذ إن السلطات المحلية لم تنجح في التعامل مع المشكلة، ووزارة الصحة تعاني من نقص شديد في مراكز الاستشفاء المتخصصة التي تتيح العلاج المناسب لهذه الفئة، حيث لا تتوفر معظم المدن على عدد كاف من المراكز.
كما أن الجماعات الترابية غائبة تماما عن البحث عن حلول حقيقية لهذه الأزمة، ما أدى إلى تفاقم الظاهرة بشكل متزايد.
وفيما يتعلق بمدينة القنيطرة، أشار كرير إلى انتشار واسع لهذه الفئة، حيث يتحدث السكان عن استقدام مرضى نفسيين من مناطق أخرى وتركهم في شوارع المدينة.
وهذا الوضع، حسب كرير، يتطلب تحقيقا عاجلا لمعرفة أسبابه وكشف الحقائق، مؤكدا أن السكان يعانون من تداعيات هذه الظاهرة، بينما يواجه المرضى أنفسهم الإهمال وانعدام الرعاية الصحية، مما يهدد الأمن والطمأنينة في المدينة.
وأضاف أن غالبية المرضى النفسيين لم يتلقوا أي شكل من أشكال العلاج أو الكشف الطبي، مما يزيد من خطورة الوضع، حيث إن البعض منهم قد يكون حاملا لأمراض قد تنتقل إلى الآخرين، ناهيك عن الظروف المأساوية التي يعيشونها، حيث يقضون حاجاتهم في الشوارع دون أي شروط إنسانية، مما يعكس انتهاكا كبيرا للكرامة الإنسانية.
وأكد كرير أن هذه الظاهرة لا تهدد فقط أمن المواطنين بل تعرض المرضى النفسيين أنفسهم للخطر، حيث إن بعضهم قد يصبح عرضة لاستخدام العنف أو ارتكاب أفعال دون وعي.
وأشار إلى أن هناك شكاوى عديدة من المواطنين والمجتمع المدني والجمعيات التي تطالب بوضع حد لهذه الظاهرة، لكن للأسف، لا توجد استجابة كافية من المسؤولين للتعامل مع الأزمة.
وشدد على أن المغرب وقع على مواثيق دولية تلتزم بتوفير الرعاية الصحية والكرامة لهذه الفئة، مثل المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة التي تنص على وجوب تمكين المرضى النفسيين من العلاج الكامل داخل مصحات متخصصة تحفظ كرامتهم، لكن الواقع بعيد كل البعد عن الالتزام بهذه المعايير الدولية.
في ختام حديثه، طالب كرير بوضع استراتيجية وطنية شاملة لمعالجة هذه الظاهرة جذريا، مؤكدا أن التجميل المؤقت عند احتضان المغرب لتظاهرات عالمية ليس حلا.
وأضاف أن الحل يجب أن يشمل توفير ميزانيات كافية لبناء بنيات تحتية قادرة على استيعاب المرضى النفسيين وتقديم الرعاية والعلاج لهم، بدل تركهم عرضة للضياع.
وأشار إلى أن المسؤولية لا تقع فقط على وزارة الصحة أو السلطات المحلية، بل تشمل جميع المؤسسات الفاعلة في هذا المجال، على رأسها الحكومة، التي يجب أن تتخذ خطوات جادة لإعادة النظر في هذا الملف وتوفير حلول دائمة تضمن كرامة الإنسان وتحفظ أمن المواطنين.