العيون ـ عبد الرحيم زياد
تقتصر الوثيقة الجديدة التي تقدم بها الأمين العام للأمم المتحدة بشأن بعثة “المينورسو” على كونها مقترحاً تقنياً لتعديل الميزانية. بل تعكس في جوهرها استمرار الأمم المتحدة في التعامل مع الوضع في الصحراء المغربية كواقع ميداني مستقر. دون تحقيق أي تقدم ملموس نحو حل سياسي.
هذا النهج يكرس وضع “اللا حل” بميزانيات متزايدة، مقابل فعالية ميدانية محدودة، خاصة شرق الجدار الرملي، بسبب القيود المفروضة على تحركات البعثة.
زيادة في الميزانية رغم استمرار العراقيل شرق الجدار
في توقيت تتكثف فيه التوترات الإقليمية، وتتراجع فيه الثقة الدولية في المسارات التفاوضية المجمدة، اختارت الأمم المتحدة أن تُبقي على حضورها عبر آلية التمويل، مقترحة رفع الميزانية السنوية لبعثة المينورسو إلى 71.8 مليون دولار أمريكي للسنة المالية القادمة، بزيادة 4.4% عن العام الماضي. تأتي هذه الزيادة رغم استمرار العراقيل التي تواجهها البعثة شرق الجدار الأمني، حيث تعجز عن التحرك بحرية في مناطق تتحكم فيها أطراف غير حكومية. وقد أكدت الوثيقة الرسمية أن “المينورسو لا تزال تواجه قيوداً على حركتها في شرق الجدار الرملي، وهو ما يعرقل عملياتها ويحد من قدرتها على تنفيذ ولايتها”.
إدارة الصراع بدلاً من حله: كلفة متزايدة
بينما يواصل المغرب تحقيق إنجازاته التنموية والمؤسساتية في أقاليمه الجنوبية، تبدو الأمم المتحدة. مستمرة في تمويل بعثة تركز على الرقابة والمراقبة الميدانية، دون تفعيل حقيقي للمسارات السياسية المباشرة. هذا المشهد يُرسّخ استقراراً نسبياً مدفوع الثمن، لكنه لا يُحقق تقدماً في الحل. ويزيد من كلفة إدارة هذا النزاع على المجتمع الدولي.
تفاصيل الميزانية: أولويات وتناقضات
من النقاط اللافتة في مشروع الميزانية الجديد الرفع من مخصصات أنشطة إزالة الألغام، بهدف تطهير أكثر من 5.1 ملايين متر مربع. وهو ما يعكس إدراكاً متزايداً للمخاطر المحيطة بالوجود الأممي في المنطقة. وفي المقابل، لجأت الأمم المتحدة إلى تقليص عدد المروحيات من ثلاث إلى اثنتين. مبررة ذلك بالبحث عن الكفاءة، رغم ارتفاع الميزانية. هذا التباين بين ارتفاع التكاليف وتقلص الأدوات الميدانية يطرح تساؤلات حول طبيعة إدارة البعثة.
تركيبة البعثة ومنحى التمويل التصاعدي
يعكس التكوين البشري للبعثة غلبة الطابع المدني والإداري (مراقبون عسكريون، شرطة، موظفون…)، بما يتناسب مع ولايتها التقنية المحددة في مراقبة وقف إطلاق النار. وتقديم الدعم اللوجستي، وليس مع دور تفاوضي أو سياسي مباشر. وعند تتبع تطور ميزانيات المينورسو. يتبيّن منحى تصاعدياً ثابتاً (من 60.4 مليون دولار في 2020/21 إلى 71.8 مليون دولار مقترحة لـ 2025/26)، دون أن يقابله أي تقدم ملموس في الحل السياسي.
موقف المغرب: التأكيد على الولاية التقنية للمينورسو
يؤكد المغرب، الذي يواصل تعاونه مع المينورسو في إطار احترام سيادته، على التزام البعثة بولايتها التقنية الصرفة المتمثلة في مراقبة وقف إطلاق النار. وترى الرباط أن استمرار البعثة يساهم في تعزيز الاستقرار التقني الميداني، لكنها لا تُسند لها أدواراً تتجاوز صلاحياتها المعلنة.
المينورسو: من مراقبة مؤقتة إلى إدارة وضع قائم
في ظل غياب أي مؤشرات جدية على استئناف العملية السياسية، واستمرار العراقيل شرق الجدار. تبرز تساؤلات مشروعة حول الدور المستقبلي للمينورسو. فالبعثة، كما تشير المعطيات، تحوّلت من آلية مراقبة مؤقتة إلى كيان ميداني يُدير الوضع القائم بميزانيات متزايدة وفعالية محدودة،
في حين يرسخ المغرب واقع الاستقرار والتنمية على الأرض، مما قد يجعل المينورسو مجرد عنصر مكمل لبنية استقرار يرسخها الواقع. أكثر من كونها أداة للدفع بالتغيير أو الوساطة الإيجابية لصالح المقترح الأكثر جدية لإنهاء الصراع المفتعل.