نوردين الدغير
لم يعد اليوم بالإمكان الحديث عن أي بلد دون ربطه بالمتغيرات الإقليمية و الدولية فمن الصعب حاليا أن يعيش أي قطر مفصولا عن مؤثرات محيطه و من الصعب ألا يؤثر المحيط على الوضع الداخلي للبلد، و هذا حال المغرب اليوم فهو في حراك فاعل و متفاعل مع كل التطورات و يبقى السؤال هو كيف يتفاعل و آليات هذا التفاعل.
في هذا الوضع تبرز الديبلوماسية كمحرك فعلي للتواصل المغربي مع الخارج فلا أحد ينكر التعريف التقيليدي للديبلوماسية القائل بأنها طريق للاتصال بين الدول و هناك من يرى أنها تعمل على توجيه العلاقات بين الدول و في خلاصة القول و إن باختصار فالديبلوماسية ليست إلا عملية لتسيير شؤون البلاد الخارجية والأمر في التسيير هذا ليس اعتباطيا و بعيدا عن إدارك حركية الديبلوماسية في العالم بل الأساس في هذا النوع من التسيير هو تفاعل القوة العاقلة و الذكاء في تحليل المعطيات و الخروج بخلاصات.
في القديم كانت القوة الصلبة أو بتعيبر آخر القوة العسكرية هي الرافعة للعمل الديبلوماسي و الأساس في تنظيم العلاقات مع الدول، تمكنت بريطانيا أن تكون منذ القرن 17 الناظم للعلاقات بين الدول بعد اتفاقية وستفاليا و يرجع ذلك إلى قوة الأسطول البحري الذي كانت تملكه، هذا السيناريو تغير تدريجيا مع بروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عسكرية فاعلة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية و لعبت دورا رئيسا في إعادة ترتيب العلاقات في العالم
في وقتنا الحاضر لاتزال للقوة العسكرية دور في النظام العالمي، أما المتغيرات جعلتها تترك جزء من دورها لما أصبح يعرف بالحرب الناعمة، و بدأ يتبلور مصطلح بشكل كبير و يطلق عليه بالديبلوماسية الإعلامية، و يبرز في هذا السياق دور المعلومة في إعادة ترتيب العلاقات بين الدول وبنائها، و يصح القول إن الديبلوماسية الإعلامية هي إدارة العلاقات بين الدول من خلال التحكم في المعلومات و نذهب بعيدا للحديث عن إحدى تفرعات الإعلام أو مايعرف بالديبلوماسية الرقمية و هي من أهم الأدوات العصرية التي يمكن ان تشكل دراعا داعما للسياسة الخارجية للدول.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن أين يقع المغرب في ظل هذا التطور الحاصل في المجال الإعلامي و الرقمي و حجم التحديات التي تتحرك على أرضيتها الديبلوماسية المغربية؟
بالوقوف عند دور الديبلوماسية الإعلامية فانها تعمل على شقين مهمين
1-الترويج للسياسات التي تنتهجها البلاد، بهدف داخلي هو خلق إجماع حول هذه القضايا التي يؤطرها الفعل الديبلوماسي، و النقطة الثانية هو خلق جو عالمي له معرفة بما يحدث كتحرك سياسي، و كسب دعم دولي تجاه هذه السياسات
2- عملية تبادل الرسائل، وهذا الشق لا يقل أهمية عن الشق الأول و عادة يستعمل أثناء التوترات بين البلدان أو عند القطيعة و يعتبر وسيلة تتجاوز الحاجة إلى وسطاء وقد يبنى على هذه الرسائل لفتح صفحة جديدة من التواصل و حتى العلاقة بين الدول و تجنب الأسوء فيما بينها.
في السياق المغربي ملفات كثيرة تفرض نفسها داخليا و لها تفاعلات إقليمية و تحتاج إلى تدبير حقيقي من خلال الحرب الناعمة التي يمكن للمغرب أن ينهجها لبناء رواية لاتصلح للداخل فقط بل رواية يمكن لها أن تكون حاضرة بقوة خارج الحدود.
و لبناء رواية مغربية فاعلة و مؤثرة فالأمر يحتاج إلى عناصر أساسية
1-التحرك الديبلوماسي الذي يتناسب و حجم التحديات
2-توفير المعلومة اللازمة و ذات مصداقية لصياغتها ضمن قالب الرواية المغربية
3-أطراف ناشطة أكاديميا و إعلاميا تكون قادرة على قراءة التحرك الديبلوماسي في سياقه الواقعي و الحقيقي و دمجه بالمعلومة لأجل صياغة رواية مغربية متكاملة
4-جهاز إعلامي يكون قادر على مواكبة التطورات الديبلوماسية و يكتسب آلية إخراج الرواية المغربية بشكل تكون قادرة على المنافسة والإقناع
ما يمكن قوله أن الديبلوماسية المغربية تسبق الإعلام المغربي و لحد الساعة فهو غير قادرعلى اللحاق بها، و في بعض الأوقات قد يكون لهذا الإعلام دور مخرب للرواية التي تنسجها الديبلوماسية المغربية حينما تتغاضى أو تجهل القوالب العامة و الإطار المحدد لمنطق العمل الديبلوماسي و لتحقيق قفزة في هذا السياق لابد من النظر في الاساسيات التالية
1-طبيعة المعلومة المتوفرة و كيفية التعامل و من يتعامل معها
2- ماهية الإعلام الحكومي الرسمي أو ما يمكن أن نصطلح عليه بالإعلام التقيليدي
3-و ضعية الإعلام الرقمي و من يحركه أو يعمل عليه
في الغالب الإعلام الرسمي يعتبر المعبر الرئيس عن المواقف الرسمية للبلد و بعيدا عن السياسة التقليدية للاعلام التي تنبني على ثلاثية الاخبار، الترفيه و التوعية فهو اليوم في حاجة إلى توسيع مجال انتشاره الجغرافي على الأقل على المستوى الإقليمي و ممارسة عملية الاقناع المنطقي داخليا و خارجيا، وهذا الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في آلية عمله و الخروج من النظرة المحلية الضيقة و خلق فضاءات أخرى تكون داعمة من خلال تحول رقمي مهم و إحداث منصات تتناسب و التطور الحاصل في مجال الديجيتال، و الاستعانة بالنخب الفاعلة.
قد تشكل مواقع التواصل الاجتماعي نقطة فارقة في مجال سباق الروايات هذا إذا ما أديرت الحسابات بشكل منطقي و يتماشى مع الخطوط العامة للسياسة المغربية،و ما يمكن ملاحظته في نشاط عدد من الحسابات التي تدعي مغربيتها أو تتعاطف مع القضايا المغربية، أنها أصبحت تشكل تهديدا للسياسات العامة للمغرب أكثر من الدفاع عنه و أدخلت ملفات مهمة كملف الصحراء المغربية محل جدل شعبوي، يتعارض مع المنطق الديبلوماسي للمغرب و يعرض الرواية المغربية التي حققت تقدما مهما على المستوى الدولي أن تتراجع إلى الوراء مقابل الرواية المضادة سواء بعدم فهم تلك الحسابات لتفاصيل الملف او التلاعب بمعلومات بهدف زيادة المتابعة. هذه المواقع و الحسابات ذاتها أصبحت بشكل قد يكون واعيا و مدروسا تضرب بعض أسس السياسة المبدئية للمغرب بشأن فلسطين و الصراع مع إسرائيل و الوضع في غزة، أو بشان علاقته بمحيطه، و البعض الآخر يحاول إخراج المغرب من سياق تطوره الحضاري و التاريخي بدعوى المغربة أو ما يصطلح عليه تمغريبت و هذا في حد ذاته تهديد غير مباشر لمفاهيم الوحدة و السيادة في المغرب المبنية على الشرعية الدينية و التاريخية، و قد يكون الهدف هو جزأرة المغرب و فصله عن حضوره الفاعل الذي يسجله إفريقيا أو عربيا أو على صعيد الامتداد الاورومتوسطي.
كل هذا الخلل يلزم خلق منصات ذات صيغة رسمية أو غير رسمية تكون قادرة على فهم قوالب السياسة المغربية و تنزيلها في شكل راوية قادرة على المنافسة و الصمود في وجه أي رواية مضادة. و قد يكون للخطاب دور مهم في تأطير أي حراك على المستوى الرقمي و الإعلامي و نستحضر هنا ما يعرف في الاوساط الصحفية بصحافة السلام التي أسس لها كل من “جيك لينش” و ” آنا بيل ماكغولدريك” في كتاب يحمل الإسم ذاته، حيث يركز هذا النوع من الخطاب على العمل على تشجيع الحوار للوصول الى حلول بدل تشديد النزاع، و ضرورة البحث عن المعلومات الدقيقة و المتوازنة و الأهم في كل ذلك الأ يسهم العمل في تفاقم الامور و إيجاد حالة من الاستقطاب و الانقسام.