24ساعة-أسماء خيندوف/عماد مجدوبي
مع التطورات الأخيرة في الساحة السورية وسقوط نظام بشار الأسد، عادت قضية المغاربة المقاتلين في سوريا إلى الواجهة مجدداً. فبعد سنوات من القتال والاختفاء في مناطق الصراع، يطرح مصير هؤلاء المقاتلين تساؤلات عديدة حول مستقبلهم، وخاصة أولئك الراغبين في العودة إلى الوطن.
يواجه المغرب تحديات كبيرة في التعامل مع هذه القضية، إذ يتطلب الأمر موازنة بين البعد الإنساني والقانوني والأمني. فمن ناحية، هناك أعداد من المغاربة الذين قد يكونون ضحايا للتطرف، ومن ناحية أخرى، هناك مخاوف أمنية من عودة هؤلاء المقاتلين بمهارات قتالية وتفكير متطرف، مما يشكل تهديداً على الأمن القومي.
الكنبوري: مهددون بمتابعات قضائية
في هذا السياق، يرى إدريس الكنبوري، المحلل السياسي المتخصص في الجماعات الإسلامية، أن الوضع الحالي في سوريا لا يزال متقلباً.
ويوضح الكنبوري أنه من السابق لأوانه الحديث عن هذه القضية ما دام أن الحكم الجديد في سوريا لم يستقر بعد، مشيرا إلى أن معظم هؤلاء المغاربة التحق بسوريا والعراق للقتال بجانب تنظيم داعش، وهو تنظيم معاد لجبهة تحرير الشام التي تقود الوضع السياسي الجديد في سوريا، وبالتالي سيكون هؤلاء المغاربة بالنسبة للجبهة محاربين أو مخالفين، وقد يقترح عليهم التوبة بالمعنى الشرعي لسحب ولائهم من تنظيم داعش، خصوصا وأن هذا الأخير ما زال موجودا في سوريا ويهدد النظام الجديد.
وأضاف أن هناك صنفان من المقاتلين المغاربة في سوريا، صنف معتقل في سجون قوات سوريا الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد، وصنف كان معتقلا في سجون النظام السوري السابق، وفي حال توسط المغرب مباشرة من خلال النظام الجديد أو من خلال وسطاء في دول الخليج التي أعلنت إعادة العلاقات مع سوريا، فقد يواجهون محاكمات في المغرب بعد عودتهم بتهمة القتال في بؤر التوتر وفق قانون الإرهاب، كما حصل مع مقاتلين آخرين دخلوا المغرب سابقا.
كما أشار المختص إلى أنه من الطبيعي أن يعتبر المقاتلون المغاربة العائدون من سوريا تهديدا أمنيا للمغرب، فقد قضوا سنوات مع تنظيم داعش وتعلموا حرب العصابات واستعمال الأسلحة والمتفجرات، كما أنهم من الناحية النفسية قد تم شحنهم بالفكر المتطرف، وبالتالي فسيكون المغرب مضطرا لاتخاذ إجراءات معهم للحيلولة دون ان يشكلوا تهديدا، كما يمكن أن يستفيدوا من برنامج مصالحة الذي تشرف عليه مندوبية السجون، لكن هذا يتطلب وقتا.
ومع استمرار القطيعة السياسية بين الرباط و دمشق منذ أكثر من 12 عاما، واقتراب مرحلة سياسية جديدة في سوريا، يظل هذا الملف معقدا. فالمصير المجهول للمغاربة العائدين من سوريا يشكل تحديا كبيرا، ويحتاج إلى حلول توازن بين حماية الأمن القومي والتعامل مع الأبعاد الإنسانية لهذه القضية.
مخاوف أمنية من عودة الجهاديين
أكد خبراء ومحللون أن سقوط النظام السوري يمثل تهديداً أمنياً مباشراً للدول المغاربية، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من الجهاديين المغاربة الذين قاتلوا في صفوف تنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة”. وتشير التقديرات إلى أن الآلاف من التونسيين والمغاربة والجزائريين التحقوا بصفوف هذه التنظيمات خلال السنوات الماضية.
أثار الإفراج عن بعض المعتقلين المغاربة من سجون النظام السوري مخاوف جدية بشأن نواياهم المستقبلية. وتخشى الدول المغاربية من أن يستغل هؤلاء الجهاديون خبرتهم القتالية في تنفيذ هجمات إرهابية داخل بلدانهم أو في دول أخرى.
يعتقد مراقبون أن ليبيا وتركيا وأوروبا هي من بين الوجهات المحتملة للجهاديين المغاربة العائدين. فليبيا تعاني من حالة من الفوضى وانتشار السلاح، مما يجعلها بيئة خصبة لتكاثر التنظيمات الإرهابية. أما تركيا، فقد استخدمت مرتزقة سوريين في صراعاتها الإقليمية، مما يثير مخاوف من أن تستغل هذه الشبكات لتسهيل تسلل الجهاديين.
في هذا الصدد، يرى الصحفي الخبير في مؤسسة ” DW” الألمانية، منصف السليمي، أن أكبر هاجس يثير قلق الدول المغاربية من عودة مقاتلي سوريا، يتمثل في التداعيات الأمنية، خصوصا وأن آلاف الجهاديين المغاربيين انضموا خلال السنوات الماضية إلى الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في سوريا، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش، القاعدة، وجبهة النصرة التي أصبحت لاحقًا هيئة تحرير الشام).
ويواجه الملف الأمني المغاربي تحديات إضافية، وفق ذات الباحث التونسي في مقال له تحت عنوان ” الدول المغاربية وسقوط نظام الأسد.. رابحون وخاسرون!”، تكمن في عدم توفر أرقام دقيقة حول أعداد المتشددين الإسلاميين المغاربيين في سوريا، سواء بين صفوف التنظيمات أو السجون.
في المغرب، تفيد مصادر رسمية بأن 1659 مغربيًا انضموا إلى صفوف المتشددين في سوريا والعراق، إضافةً إلى حوالي ألفي شخص مغربي الأصل يحملون جنسية أوروبية لقي745 منهم مصرعهم هناك، بينما اعتُقل نحو 270 شخصًا عند عودتهم.
يُقدر عدد المغاربة الموقوفين في السجون السورية والعراقية بنحو 250 شخصًا. تقارير تشير إلى أن هيئة تحرير الشام أطلقت سراح معتقلين مغاربة كانوا محتجزين لدى نظام الأسد، ما أثار مخاوف في المغرب حول نواياهم المستقبلية.
“التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة في سوريا والعراق” تحدثت عن خروج معتقلين مغاربة من سجون سورية تحت سيطرة قوات المعارضة.
يوضح منصف السليمي أنه مع تصاعد هذه المخاوف، يرى خبراء أمنيون أن الوجهات المحتملة للجهاديين المغاربيين قد تشمل ليبيا، تركيا أو أوروبا. ليبيا تحديدًا تعتبر وجهة مثيرة للقلق نظرًا لتوفر حواضن للتنظيمات الجهادية وانتشار السلاح على نطاق واسع خارج إطار الدولة. أما تركيا، فقد استعانت سابقًا بمقاتلين سوريين كمرتزقة لدعم حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس ضد قوات خليفة حفتر.
في السياق ذاته، وفق ذات الخبير، تظل دول الساحل والصحراء خيارًا قائمًا باعتبارها من أبرز معاقل تنظيمي داعش والقاعدة حاليًا. .هذه المنطقة تمثل تهديدًا مباشرًا للدول المغاربية والأوروبية التي تواجه خطر استغلال التنظيمات لطرق الهجرة غير القانونية للتسلل إلى أوروبا.
أبعاد إنسانية للقضية
إضافةً إلى الأبعاد الأمنية، يظهر جانب إنساني معقد يتعلق بنساء وأطفال الجهاديين المغاربيين المحتجزين، حيث أشارت “التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة في سوريا والعراق”، إلى قلقها إزاء مصيرهم وخاصة القابعين في مخيم الهول بمحافظة الحسكة الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
حسب المعطيات التي حصلت عليها جريدة ”24 ساعة” من التنسيقية، فإن عدد المواطنين المغاربة المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يبلغ 561 شخصًا.
وفقًا للإحصائيات التي قدمتها التنسيقية، يتوزع هؤلاء المحتجزون بين 135 رجلًا، و103 نساء، و292 طفلًا يصاحبون أمهاتهم، إضافة إلى 31 طفلًا يتيمًا.
مناشدات بتدخل عاجل لإعادتهم إلى وطنهم
تناشد “التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة في سوريا والعراق” السلطات المغربية إلى التدخل والعمل على إطلاق سراح المواطنين المغاربة المحتجزين في سوريا، خصوصًا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
في ذات المنوال، دعا عبد العزيز البقالي، رئيس التنسيقية، في تصريح لجريدة ”24 ساعة”، الحكومة المغربية إلى التحرك بشكل عاجل وفعال لإعادة هؤلاء المواطنين إلى بلادهم، مؤكدا أن العائلات المغربية تعيش حالة من القلق الشديد على مصير أبنائها.
وطالب بضرورة تفعيل قنوات دبلوماسية أكثر نجاعة للتواصل مع السلطات المعنية هناك، خاصة مع التعقيدات الأمنية والسياسية التي تشهدها هذه المناطق.
وأشار إلى أهمية وضع آلية دبلوماسية واضحة تشمل التعاون مع دول إقليمية ومنظمات دولية لتسهيل عودة المغاربة العالقين إلى وطنهم بشكل آمن ومنظم.
كما انتقد المتحدث غياب خطة واضحة من قبل السلطات المغربية لإعادة هؤلاء المعتقلين.
وأكد البقالي على أن أوضاع المغاربة العالقين هناك توصف بـالكارثية، حيث يواجهون ظروفا إنسانية صعبة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة اليومية.
وأضاف أن المعتقلين المغاربة يتوزعون بين مخيمات اللاجئين والسجون، خاصة في مناطق شمال سوريا، التي شهدت في السنوات الأخيرة صراعا داميا أدى إلى انهيار الجماعات المسلحة وعلى رأسها تنظيم “داعش”.
وأوضح أن المعتقلين يعانون من العزلة التامة، حيث انقطع التواصل بينهم وبين عائلاتهم في المغرب، مما يزيد من معاناتهم النفسية.
كما أشار البقالي إلى أن عددا كبيرا منهم يوجدون رهن الاعتقال في سجون تابعة للقوات الكردية، وسط ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية. مؤكدا على أن هؤلاء المعتقلين يواجهون تهما تتعلق بالانتماء إلى جماعات متطرفة، بينما يعجز ذويهم في المغرب عن الحصول على معلومات دقيقة حول مصيرهم.
وشدد رئيس التنسيقية على أن هناك عددا من المفقودين المغاربة الذين لا يعرف مكان تواجدهم حتى الآن، مرجحا أنهم قد يكونون محتجزين في أماكن غير معلومة أو ربما قتلوا في المعارك التي شهدتها هذه المناطق خلال السنوات الماضية.
خلاصة، يشكل مصير نساء وأطفال الجهاديين المغاربة الذين يعيشون في مخيمات في سوريا والعراق تحدياً إنسانيا وأمنياً كبيراً.
كما يبقى الوضع في سوريا غامضاً، ولا يزال هناك الكثير من التساؤلات حول هوية الحكام الجدد في دمشق ونواياهم. وهناك مخاوف جدية من أن يستغل تنظيمات إرهابية الفراغ الأمني الناجم عن الحرب الأهلية السورية لتعزيز نفوذها في المنطقة.