إعداد: عبد الرحيم زياد
تقدم جريدة “24 ساعة” الإلكترونية خلال شهر رمضان المبارك، سلسلة حلقات تستعرض جوانب مضيئة من تاريخ المغرب الاجتماعي في القرن التاسع عشر، وذلك من خلال كتاب “المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر – اينولتان 1850-1912″ للمؤرخ والأديب المغربي أحمد التوفيق.
الكتاب عبارة عن رحلة عبر الزمن إلى قلب المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، من خلال دراسة تاريخية اجتماعية عميقة، تسلط الضوء على فترة حاسمة من تاريخ المغرب، وتحديدًا منطقة “اينولتان”، خلال النصف الثاني من 19 وبداية القرن 20. وهي فترة شهدت تحولات جذرية نتيجة للضغوط الاستعمارية والتغيرات الداخلية التي عصفت بالمجتمع المغربي.
كما يتناول الكتاب فترة حكم السلطان الحسن الأول، وهي فترة زاخرة بالأحداث والتحديات التي ساهمت في تشكيل ملامح المغرب الحديث. ويقدم وصفًا دقيقًا للحياة اليومية للناس في “اينولتان” ، مركزًا على العادات والتقاليد، والبنية الاجتماعية، والاقتصاد المحلي. كما يسلط الضوء على تأثير العوامل الخارجية، مثل التجارة الأوروبية والضغوط السياسية، على المجتمع المغربي.
الحلقة العشرون: دمنات ومنطقة إينولتان: مركز استراتيجي على مر العصور
تمركزات السكان : إذا نظرنا إلى تمركزات السكان، بالنسبة للتضاريس ولامكانيات الطبيعة، نجد أن دمنات أهم تمركز سكاني في بلد اينولتان وتبرره وضعيته عند باب الحوز وعند التقاء السهل بالجبل، كما يبرره موقعه في منخفض خصب تتوفر فيه التربة والماء، ويستوطن معظم آيت شتاشن أودية تيسليت وتيغلي وتيفني، وكذلك تحد بلد ايواريضن تضاريس واضحة بين جبل غات وجبل عروس وعلى امتداد وادي غزف. أما في المرتفعات العليا فالتمركزات واقعة في أماكن توفر مساحات مسقية وفي ثنيات مقعرة، وعلى امتداد الأودية، لكن القرى تظل في الغالب، معلقة فوق تلك الأودية، تاركة زراعتها المسقية في أسفل الوادي. إلا أن كطيوة انتكطو ) قد تركوا وادي تاساوت (الأخضر) يخترق مجراه العميق، دون أن يحاولوا الاستيطان على السفوح الشديدة الانحدار، مفضلين الاستقرار على هضبة فقيرة التربة يسقى الشطر الأكبر منها شرقي تا ساوت بمياه العيون.
الغابة : تغطي جبال اينولتان غابات ممتدة، تتكون من العرعار الأحمر (تيقي)، والبلوط الأخضر (تاسافت)، والعفصية (أزوكا)، والصنوبر (تايدا)، وكلها في حالة أحراج غير كثيفة، نالها اتلاف شديد في الماضي. وغابة واد غزف أهم شطر في هذا الغطاء الغابوي. كما يغطي الفربيون (أم اللبينة) أو (تيكيوت)، الصخور المجاورة لمنخفض دمنات وخاصة بينها وبين كرول.
المعادن : عرف الصناع في اينولتان عدة مكامن معدنية واستغلوها في القرن الماضي. وأشهرها معدن الحديد في أسيف ن تيغلي وفي تيفني عند آيت شتاشن
ومحاجر الجبص قرب دمنات والخزف في بوغرارت، ومعدن الملح في تيزغت على جانبي وادي تعلاوت.
الوضعية الجغرافية : يحتل اينولتان وضعية مهمة بين درعة ودادس وتدغة و تافيلالت في الجنوب والجنوب الشرقي وبين الحوز في الشمال، وكانت تمر بدمنات طريق جد مطروقة بين أغمات وبين مراكش ومراكز الدير : (انماي، أزيلال، خنيفرة، أزرو صفرو إلخ). وكانت دمنات من جهة أخرى محطة بالنسبة لبعض القوافل التي كانت تعرج عليها، في الطريق التقليدية بين مراكش وفاس المارة على السراغنة فقنطرة العثامنة على أم الربيع، رغم أن دمنات لا تقع على هذه الطريق مباشرة نظرا لتوغلها في الجبل، وتحتل دمنات من جهة أخرى، وضعية مهمة بين قبائل الجبال التي تقع جنوبها وبين قبائل السراغنة وسيدي رحال بزمران. وهذه الأخيرة هي طريق مراكش. كما تمتد منها طريقان نحو تيزي ن تلوات، احداهما عن طريق أنماي، والأخرى جبلية وعرة لكنها أقصر من الأولى (12). أما طريق تدغة، فكانت تبتدئ من دمنات إلى جبل تامادوت، إلى ضفة تاساوت الفوقية، إلى واد عروس، إلى أكرض ،نوزرو، إلى واد بوكماز، إلى ضفة تاساوت الفوقية، إلى واد العبيد، إلى ايفرغيس إلى تيغريست، إلى واد بوكماز إلى إيزوغار، فأوسكيس فتدغة .
وتصف رسالة من زاوية آيت مجطن الطريق التي سلكها المرابط في إحدى زياراته إلى زاوية تمكروت، وهي بعد الانطلاق من آيت مجطن : المبيت بآيت شتاشن (آیت تامليل)، ثم المبيت ثانيا بآيت مديوال، ثم المرور بتيزي ن فدغات، ثم المبيت بقبيلة کرنان عند ايمغران، ثم المبيت بغسات، ثم وارزازات، ثم مزكيطة، ثم تامنو كالت ثم تا مزولين، ثم بني غولي ، فالوصول إلى تامكروت أما الطريق العادية بين دمنات وسكورة، فكانت تمر عن طريق ایواریضن فآیت توتلین، فآيت بوولي قرب قمة غات، ثم تيزي ن غوكولت، ثم تامزريت فتوندوت، فسكورة. والممرات الجبلية مفتوحة طوال السنة، وإذا تكدست الثلوج، كانت القوافل تنتظر في القرى المجاورة حتى تستطيع اجتياز الممرات.
الأهمية الستراتيجية : وبجانب الوضعية الاقتصادية المهمة، كانت المنطقة جبال دمنات أهمية تاريخية وسياسية، بسبب الكتل البشرية الهائلة التي كانت تسكنها، وبسبب وضعيتها بين العاصمتين التاريخيتين للمغرب وهما مراكش وفاس فلطالما التقت قريبا منها في سهل تادلا أو على واد العبيد، جيوش الدول الناهضة بجيوش الدول الأفلة، فقد رأينا أن عبد المومن الموحدي لم يفتح مراكش إلا بعد أن قدم أمامه قبائل تلك المنطقة. ورأينا أن أبا دبوس الموحدي، قد هيأ من دمنات الاستيلاء على مراكش، وحسب مارمول. فان سلطان فاس، محمد البرتغالي، قد جهز التاجر الفاسي الذي استولى في عهده على المدين، نظرا لأهمية موقعها فيما كان يفكر فيه من فتح مراكش. ولا يبعد أن يكون المولى رشيد بن الشريف قد . بدمنات أثناء خروجه من تافيلالت وهو يفكر في أهميتها بالنسبة لمشاريعه المقبلة. أما في القرن التاسع عشر، فقد كانت قصبتها منطلقا لجهود الدولة من أجل تطويع كتلة مهمة من قبائل الأطلس بين تيزي ن تلوات وتدغة وبين دمنات وسكورة.
خاتمة
ان بلد اينولتان قد وفر لسكانه امكانيات للاستقرار، ولممارسة أنشطة زراعية ورعوية جبلية. وظروف العيش في المرتفعات الدنيا أقل سهولة من ظروف السهل، بينما عرف سكان المرتفعات العليا ظروفا أكثر قساوة. وأرض اينولتان بصفة عامة فقيرة إذا استثنينا نقطا محدودة، مثل واد امهاصر حيث بساتين دمنات الخضراء. وقد كانت لدمنات وضعية ممتازة في طرق التبادل التقليدية، بسبب وقوعها في طريق الدير، وعلى المسلك التقليدي بين مراكش وتدغة، وبين الحوز ودرعة، بالإضافة إلى أنها كانت السوق الكبرى لا ينولتان وانفضواك والقبائل المجاورة، ومركز تبادل مناطق متكاملة. وقد سعت الدول إلى الاستفادة من هذه الوضعية بفرض رسوم على نشاطها التجاري، وبأسر أكبر عدد ممكن من القبائل المرتبطة بها وضمان طاعتها.