24 ساعة-أسماء خيندوف
أفادت مجلة “جون أفريك” الفرنسية أن مفهوم “السيادة الدوائية” لا يعد جديدا على المملكة، إذ فرضت السلطات منذ عام 1965 تصنيع جميع الأدوية المسوقة محليا، وهو ما كرس توجها نحو الاكتفاء الذاتي في قطاع حيوي.
وتعزز هذا التوجه في ثمانينات القرن الماضي، من خلال تحديات صحية كبرى شملت داء السل، وفيات الرضع، والأمراض المرتبطة بالمياه.
ووفقا لما نقلته المجلة، فإن جائحة كوفيد-19 مثلت اختبارا حقيقيا لهذا الأساس الصناعي، حيث لم تشهد المملكة أي انقطاع في الأدوية الأساسية، في وقت واجهت فيه بلدان أوروبية أزمات في الإمداد.
وأضافت “جون أفريك” أن تقرير هيئة الصيادلة لعام 2022، نبه إلى هشاشة هذا القطاع رغم صلابته النسبية، متحدثا عن اختلالات ضريبية واختلال في ميزان الواردات، فضلًا عن غياب رؤية صناعية واضحة لتحقيق السيادة الدوائية.
سوفوسبوفير.. لحظة حاسمة في السيادة الدوائية
أبرزت المجلة أن أحد أبرز محطات السيادة الدوائية تمثل في تطوير علاج مغربي لالتهاب الكبد “سي”، بعد أن أعلنت شركة “جيلياد” الأمريكية عام 2014 عن تسويق دواء فعال باهظ الثمن (100 ألف دولار في الولايات المتحدة، و41 ألف يورو في أوروبا)، دون أن يشمل المغرب ضمن التراخيص الممنوحة.
وأوضحت المجلة أن مختبر “فارما 5” قرر مواجهة هذا التحدي، وأطلق مشروعا سريا لإنتاج البديل الجنيس، بترخيص قانوني مستند إلى عدم تسجيل براءة الاختراع في المغرب. وبعد عام من البحث والتطوير، حصل المختبر على ترخيص التسويق في نونبر 2015، وطرح الدواء بسعر لا يتجاوز 3 آلاف درهم.
وذكرت أنه رغم محاولات الشركة الأمريكية احتواء المبادرة، دعمت الدولة المختبر المحلي، ونجح العقار في دخول لوائح التعويضات والتصدير إلى إفريقيا وروسيا.
طموحات كبرى في إنتاج اللقاحات وتعثر في التنفيذ
لفتت “جون أفريك” إلى أن مشروع “سنسيو فارماتك” ببنسليمان، الذي أطلق بشراكة مع المجموعة السويدية “ريسيفارم”، كان بمثابة علامة فارقة في المسار الصناعي للمملكة، إذ يطمح إلى تغطية 70% من الاحتياجات الوطنية و60% من القارة الإفريقية عبر إنتاج ملياري جرعة سنويا.
وشددت المجلة على أن المشروع حظي بدعم مالي ومؤسساتي واسع، بإشراف من ائتلاف بنكي يقوده “بنك أفريقيا”، ويضم التجاري وفا بنك، البنك الشعبي وبنك CIH. ولكن الواقع اصطدم بعقبات عديدة، منها غياب إنتاج المادة الفعالة، وعدم وضوح في الحوكمة، وتأخر في الترخيص، حسب تحقيق نشره موقع “لوديسك”.
التغطية الصحية الشاملة والضغط على ميزانية الأدوية
كشفت “جون أفريك” على أن الأدوية الأكثر تعويضا في المملكة لا تزال مستوردة، وغالبا ما تكون أغلى من نظيراتها الأوروبية بنسبة قد تصل إلى 81%. وذكرت مثالا على ذلك، دواء “جانوميت” الذي يباع بـ437 درهما في المملكة مقابل 257 درهما في فرنسا، ما يرفع الفاتورة الوطنية بما يصل إلى 125 مليون درهم سنويا لدواء واحد فقط.
ونقلت المجلة عن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع قوله: “من غير المقبول تحقيق هوامش ربح بـ300% في السوق المغربية”.
اختلالات ضريبية وتحديات أمام الصناعة الوطنية
أشارت “جون أفريك” إلى أن الشركات متعددة الجنسيات تهيمن على 68% من رقم المعاملات في قطاع الأدوية، لكنها لا تؤدي سوى 2% من الضرائب، مقابل مساهمة المختبرات المغربية بنسبة تفوق 5% رغم حصتها المحدودة في السوق (31.6%).
وفي تصريح للمجلة، أكدت ميا لعلو فيلالي، نائبة رئيس “فارما 5″، على ضرورة التمييز بين “بيغ فارما” والمختبرات المحلية التي، حسب قولها، لا تحقق سوى هامش ربح صافي يتراوح بين 5% و7%. وبدوره، دعا أيمن شيخ لعلو، المدير العام لمجموعة “كوبر فارما”، إلى سياسة عمومية واضحة تنحاز للإنتاج المحلي، وتكسر الاحتكار عبر تشجيع الأدوية الجنيسة.
اختتمت “جون أفريك” تحقيقها، بالتأكيد على أن غياب قيادة استراتيجية يضعف فرص المملكة في تحويل قطاع الأدوية إلى رافعة صناعية فعلية.