زكية لعروسي
السياسة ليست سوى مسرح، واللاعبون على خشبته ليسوا سوى شخصيات تتراوح بين الأبطال والدمى. لكن بعض الشخصيات تأبى أن تُحصر في إطار السياسي العابر، فتتحول إلى أساطير، تُنحت حولها الروايات، وتُصنع لها الهالات، سواء أحبها الجمهور أو كرهها.
ترامب، بلا شك، هو إحدى هذه الشخصيات الأسطورية، وزيلينسكي ليس سوى ظلّ هزيل يحاول أن يجد لنفسه مكانًا بين العظماء، حتى لو كان الثمن هو بيع بلاده للمجهول.
دونالد ترامب ليس مجرد رئيس سابق أو مرشح محتمل، بل هو زلزال سياسي لا يتوقف عن الهزات الارتدادية. في مشهده السياسي، لا يوجد مكان للمثاليات أو البروتوكولات، بل هناك صفقة دائمة، ورهان على الغرائز والمصالح، والفوضى.
منذ أن اقتحم المشهد السياسي، أدرك الجميع أنه لا يلعب وفق القواعد المعتادة، بل يكتب قواعده الخاصة. في واشنطن، هو أقرب إلى شخصية قيصر حديث، يتحدى المؤسسات، يحطم التحالفات التقليدية، ويعيد تشكيل العالم على مقاس مصالحه.
واليوم، في ظل الانقسام العميق حول الحرب في أوكرانيا، يعود ترامب ليقلب الطاولة مجددا، معلنا أنه يرى السلام فقط من خلال الحوار مع بوتين، وليس عبر دعم لا نهائي لكييف. إنه يفرض منطقه الخاص: لا ولاءات أبدية، لا حروب بلا مقابل، ولا عدو دائم طالما أن هناك صفقة قابلة للتفاوض.
على الجانب الآخر من المشهد، يقف فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الذي جاء من عالم الكوميديا ليجد نفسه فجأة في عين العاصفة. لكن إذا كان ترامب يمثل أسطورة التحدي والفوضى، فإن زيلينسكي مجرد دمية تحاول البقاء في اللعبة بأي ثمن، او المهرج التائه بين عوالم الاسطورة. بعد إهانته العلنية في البيت الأبيض، لم يكن لديه خيار سوى محاولة ترميم صورته بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك عبر توقيع اتفاق المعادن مع واشنطن، في محاولة يائسة للحفاظ على دعم الغرب.
لكن الحقيقة القاسية أن زيلينسكي لم يكن يوما لاعبا حقيقيا، بل ورقة في يد القوى الكبرى. عندما وقف في لندن محاولا استجداء الدعم من الحلفاء، كان يدرك أن مصيره مرهون بصفقات لا يستشار فيها، وحروب لا يملك قرار إنهائها أو استمرارها. إنه يمثل الوجه المأساوي لزعيم يُراد له أن يكون بطلا، لكنه مجرد أداة في يد أسياده.
السياسة، في جوهرها، ليست سوى صراع بين من يصنع الأساطير ومن يستهلكها. ترامب، بكل غروره وفوضويته، يبقى لاعبا رئيسيا في اللعبة، بينما زيلينسكي مجرد تفصيلة هامشية في كتاب التاريخ الذي يكتبه الكبار. وبينما يلهث الأخير خلف أي اتفاق يُبقيه في المشهد، يستعد الأول ليعيد رسم خارطة السياسة العالمية، ليس وفقا لمبادئ، بل وفقا لمصلحته المطلقة.
يبقى السؤال: هل العالم مستعد لمواصلة هذه اللعبة، أم أن الأساطير السياسية ستنهار أمام واقع أكثر وحشية مما يتخيله اللاعبون؟
*باحثة في الحضارة العربية وخريجة جامعة السربون