
الخبير في العلاقات السياسية، محمد شقير
خلال شراكته الاستراتيجية العسكرية بين الولايات المتحدة والمغرب الممتدة ما بين 2020 و 2030 والتي حصل بموجبها هذا الأخير على أحدث العتاد العسكري الأمريكي كطائرات ف 16 في نسختها المعدلة أو منظومة هيمارس التي ما زالت أي دولة لم تحصل عليها في المنطقة بما فيها اسبانيا ، لم يسبق أن تم تنظيم مراسيم عسكرية كتلك التي نظمت بمناسبة تسلم المغرب للدفعة الأولى من مروحيات الاباتشي مما يثير التساؤل عن خلفيات هذا التنظيم والدوافع الثاوية وراءه ؟؟
تكريس التحالف الاستراتيجي
بمناسبة حصول القوات المسلحة الملكية المغربية على مروحيات أباتشي أميركية من طراز AH-64E، أجريت يوم الأربعاء 5 مارس 2025 مراسيم استقبال للدفعة الأولى التي تضم 6 مروحيات في القاعدة الجوية الأولى بسلا قرب العاصمة الرباط. حيث جرت هذه المراسيم العسكرية بحضور كبار المسؤولين من المغرب والولايات المتحدة، كان على رأسهم عبد اللطيف لوديي الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، والفريق أول محمد بريظ المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، والفريق أول محمد حرمو، قائد الدرك الملكي، والفريق جوي محمد كديح، مفتش القوات الملكية الجوية. والجنرال مايكل لانجلي قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا “أفريكوم”، إضافة إلى إيمي كوترونا القائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة بالمغرب.
وبالتالي فتنظيم هذه المراسيم في هذا التوقيت وبهذا الحضور والتغطية الإعلامية التي واكبتها يحمل عدة دلالات سياسية تتجاوز تسلما تقنيا لست مروحيات عسكرية بل تعكس تكريسا لتحالف استراتيجي بين البلدين في إطار متغيرات دولية وإقليمية تهم بالأساس محاربة الإرهاب الدولي بكافة أشكاله خاصة تنظيم داعش الذي تمركز في دول الساحل وأصبحت تداعياته تتوسع لتشمل كل المناطق الافريقية . حيث أصبح التمدد الداعشي لايقتصر فقط على ضرب أهداف عسكرية بمالي وبوريكينافاسو وغيرها من دول الساحل بالإضافة إلى تحركاتها بالصومال التي تم مؤخرا استهداف بعض معاقلها من طرف طائرات أمريكية و كذا نشاط بوكو حرام في دول كنيجيريا ، بل أصبح يهدد الاستقرار بمنطقة شمال افريقيا ولعل تفكيك خليتين بحد السوالم وتوقيف نشطاء بتسع مدن مغربية ليعكس هذا الخطر المحدق خاصة وأن شمال افريقيا تعتبر منطقة محاذية لاوربا التي تعتبر من بين أولويات الاستراتيجية الامريكية.
ولعل هذا الوضع هو الذي دفع بالبلدين إلى تقوية شراكتها العسكرية . الشيء الذي أكده الفريق أول، محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، في الكلمة التي ألقاها خلال حفل هذه المراسيم العسكرية الذي جرى بالقاعدة الجوية الأولى التابعة للقوات الملكية الجوية بسلا، حيث أشار إلى “أن التسليم الرسمي للدفعة الأولى من مروحيات الهليكوبتر الهجومية من طراز AH-64 أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية والتعاون العسكري القوي بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية. وأن نجاحنا في تحقيق إنجاز مشروع اقتناء مروحية أباتشي هو لبنة جديدة تنضاف إلى صرح علاقاتنا القوية والمتجذرة”.
مضيفا أن “الولايات المتحدة كانت دائما شريكا رئيسيا لبلدنا، ووصول هذه المروحيات اليوم يعزز تعاوننا الدفاعي، ويوضح التزامنا المشترك بعالم يتم فيه بناء السلام من خلال الاستعداد العسكري والمساعدة المتبادلة بين الحلفاء والشركاء”. ومؤكدا “التزام القوات المسلحة الملكية، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بمواصلة الاستثمار الكامل لتعزيز روابط تعاوننا الثنائي، من أجل التمكن من مواجهة التحديات المشتركة التي تهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين”
وبالتالي فإن حصول المغرب على أحدث النسخ من مروحيات “أباتشي”، وقبلها العديد من الأسلحة الأمريكية المتطورة، يعد ثمرة للتعاون والشراكة العسكرية الطويلة بين الرباط وواشنطن، التي ترى في المغرب شريكًا موثوقًا لتعزيز الأمن والسلم الإقليميين؛ كما تربطها به اتفاقيات عسكرية تتيح له أولوية الحصول على أحدث المعدات القتالية الأمريكية، من أجل تعزيز قدراته العسكرية ومواجهة التحديات الناشئة في المنطقة. ولعل هذا ما أكد عليه الجنرال مايكل لانجلي قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا “أفريكوم”، في الكلمة التي ألقاها خلال هذا الحفل حيث اعتبر أن تسلم المغرب لهذه المروحيات يدخل ضمن تقوية الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة في الدفاع عن الاستقرار الإقليمي للمنطقة الافريقية التي تشكل إحدى أولويات أفريكوم التي أثير مؤخرا إمكانية نقل مقرها من ألمانيا إلى المغرب في إطار الاهتمام الأمريكي بالتمركز بقوة في افريقيا خاصة بعد الانسحاب العسكري الفرنسي من دول الساحل وغرب افريقيا ، وفي ظل التمدد الروسي في بعض دول الساحل ، وكذا منافسة التواجد الصيني بهذه القارة.
تقوية الردع الإقليمي
ركز المغرب خلال السنوات الأخيرة، على تعزيز قدراته العسكرية عبر اقتناء أنظمة أسلحة استراتيجية متنوعة. وفي هذا السياق وقع المغرب في يونيو 2020 اتفاقية مع وزارة الدفاع الأميركية لاقتناء 24 مروحية “H-64E Apache Guardian ” . ولعل هذا ما أكد عليه البيان الختامي لهذا الحفل حيث أشار إلى أن “اقتناء هذه المروحيات يأتي في إطار التوجيهات الملكية الهادفة إلى تحديث القوات المسلحة الملكية وتعزيز قدراتها الدفاعية”.
وبالتالي ،فإن حصول الجيش المغربي على هذا النوع من المروحيات، التي تُعد من الأقوى في العالم، سيسهم بلا شك في تعزيز القدرات الهجومية والدفاعية للقوات المسلحة الملكية، خاصة في إطار التنافس الإقليمي مع كل من الجزائر واسبانيا . فهذه المروحيات تُعتبر واحدة من أكثر المروحيات المطلوبة عالميًا نظرا لما تتميز به من قدرات قتالية وتكتيكية عالية. إذ تتمتع هذه المروحيات الأمريكية ،التي يذكر اسمها باسم أشرس القبائل الهندية التي حاربت التواجد العسكري للجيش الأمريكي بجنوب وغرب الولايات المتحدة ، بقدرات دفاعية متقدمة، مثل نظام الحماية من الصواريخ المضادة للأجسام الطائرة، و نظام اتصال متطور يسمح لها بالتنسيق الفعّال مع مختلف الوحدات الجوية والأرضية الصديقة، إلى جانب تصميمها الفريد الذي يضمن سهولة الصيانة والتحديث. فهذه المروحيات الهجومية تعد من بين أكثر الطائرات تطورا في العالم، حيث تمتلك القدرة على حمل مجموعة متنوعة من الصواريخ، سواء جو-أرض أو جو-جو؛ مما يجعلها سلاحا فعالا في العمليات العسكرية. خاصة وأنها تتميز بسرعتها التي تبلغ حوالي 300 كيلومتر في الساعة، والتحليق على ارتفاع يصل إلى 6 آلاف متر. بالإضافة إلى توفرها على رادار مستقل يمنحها القدرة على رصد وتتبع الأهداف، بل والتحكم في الطائرات المسيرة “الدرون”؛ وهو ما يعكس أهميتها في الصناعات الدفاعية المغربية التي تعتمد بشكل متزايد على الطائرات بدون طيار في المديين القصير والمتوسط. كما تتميز هذه المروحيات بقدرتها الفائقة على استهداف وتدمير الأهداف العسكرية بدقة عالية، بفضل الصواريخ الموجهة بالليزر التي تحملها، والتي تُستخدم لضرب الأهداف المتحركة والثابتة كصواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات والمسيرات، مما يمنحها قدرة دفاعية إضافية، ومدفع رشاش عيار 30 ملم قادر على استهداف المركبات المدرعة والأفراد بدقة كبيرة. وبالتالي فإدماج هذه المروحيات ضمن الترسانة العسكرية المغربية سيعزز من جهة قدرات الردع المغربية، نظرا لما تتميز به من نظام تسليح متطور وقدرة على تنفيذ المهام في مختلف الظروف والأحوال الجوية ،
ومن جهة ثانية ستعزز هذه المروحيات الكفاءة الدفاعية والهجومية للقوات الجوية الملكية المغربية؛ حيث يرى بعض الخبراء العسكريين أن امتلاك المغرب لهذا النوع من الطائرات سيُحدث توازنا استراتيجيا في المنطقة، خاصة أمام الجزائر التي تعتمد بشكل أساسي على سلاح المدرعات والدبابات وعدم توفر اسبانيا على النوع من المروحيات التي لا تمتلكه لحد الآن سوى دول قليلة بالمنطقة من بينها إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية و مصر. ففي إطار جهود المغرب لتحديث قواته المسلحة وتعزيز قدراته الدفاعية والهجومية، يأتي اقتناء مروحيات “أباتشAH-64E ” كخطوة نوعية تساهم في تعزيز التفوق الجوي المغربي. حيث تُعتبر الاباتشي من بين أكثر المروحيات تطورا في العالم لما تمتلكه من إمكانيات قتالية متقدمة تجعلها سلاحا رئيسيا في العمليات العسكرية الحديثة.
بالإضافة إلى ذلك فقد أشار المفتش العام للقوات المسلحة في كلمته من أن ” إدماج هذه المروحيات في منظومة القوات المسلحة الملكية سيعزز قدرات الدفاع بشكل أفضل عن وحدتنا الترابية والمساهمة بشكل فعال في تحقيق السلم والأمن، ” وفعلا ، فهذه الطائرات المتطورة ستمنح القوات الجوية المغربية إمكانيات تنفيذ عمليات متنوعة، سواء كانت عسكرية أو إنسانية، فمروحية الأباتشى الهجومية قد حققت نتائج مهمة على مدار الفترة الماضية في مختلف المسارح العملياتية في العالم سواء كداعم رئيسي للقوات البرية، لتعزيز فعالية العمليات العسكرية في سياق إستراتيجية التدمير الشامل، وبشكل خاص في عمليات مواجهة الجماعات المسلحة وقصف مخابئ وأوكار الجماعات الانفصالية والإرهابية وعمليات استهداف المنشآت الحيوية التي تدعم العمليات العسكرية للعدو وضبط الحدود وحماية المنشئات العسكرية المتقدمة في الميدان”. إذ سبق أن استخدمت هذه المروحية من طرف الجيش الأمريكي في تنفيذ عمليات تدميرية واسعة النطاق سواء بأفغانستان أو بالعراق ؛ مما ساعد على تحقيق التفوق والسيطرة في ميدان المعركة وتنفيذ عمليات مركزة تُسهم في تحييد التهديدات وتعزيز السيطرة على الأرض، نظرا لما تتمتع به من قدرة على المناورة والعمل في ظروف جوية متنوعة، مما يجعلها فعالة في مختلف السيناريوهات القتالية.
من هنا يمكن القول بأنه “باقتناء هذه المروحيات المتطورة، يكون سلاح الجو المغربي قد وصل إلى مستوى متقدم، يُقارِب جيوشا أوروبية وأخرى تابعة لحلف الناتو، وبهذه الخطوة، يعزز المغرب قدراته الدفاعية؛ وهو ما قد يُثير القلق لدى بعض الأطراف الإقليمية”