الدار البيضاء-أسماء خيندوف
تشهد العلاقات المغربية الإسبانية شراكة استراتيجية مبنية على المصالح المشتركة، حيث يلعب المغرب دورا محوريا في ملفات حيوية مثل الهجرة والطاقة، مما يمنحه نفوذا دبلوماسيا متزايدا في تعامله مع مدريد.
و في هذا السياق، كشف تقرير حديث نشرته مجلة “ماكجيل” الكندية، أن المغرب يعتمد بشكل متزايد على قضية الهجرة غير النظامية كأداة لتعزيز موقفه الدبلوماسي في علاقاته مع إسبانيا، لا سيما في ظل تصاعد نفوذ التيارات اليمينية داخل الاتحاد الأوروبي، والتي تدفع نحو سياسات أكثر صرامة تجاه المهاجرين.
وأضاف التقرير، أن المغرب يحكم سيطرته على تدفقات المهاجرين نحو مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، مما يمنحه ورقة ضغط قوية للتأثير على الموقف الإسباني والأوروبي.
وأوضح أن هذه الدينامية تمنح الرباط ميزة لتحقيق مكاسب سياسية، من بينها تعزيز موقفها في النزاعات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء.
وأشارت المجلة في تقريرها، إلى أن سبتة ومليلية أصبحتا نقاط توتر رئيسية بين البلدين، حيث سجلت الإحصاءات لعام 2023 عبور 1,243 مهاجرا إلى الأراضي الإسبانية، مقابل إحباط السلطات المغربية لأكثر من 14,600 محاولة عبور خلال شهر غشت وحده.
و أورد كذلك مثالا بارزا على استخدام المغرب لهذه الورقة في أبريل 2021، عندما خفف من قيود المراقبة الحدودية، ما أسفر عن تدفق حوالي 8,000 مهاجر إلى سبتة، كرد فعل على استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي.
كما تطرق التقرير إلى التحول الكبير في الموقف الإسباني تجاه المغرب، مشيرا إلى إعلان مدريد في 2022 دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل نزاع الصحراء. واعتبرت هذه الخطوة تنازلا من جانب إسبانيا بهدف تهدئة العلاقات مع الرباط والحفاظ على تعاون استراتيجي.
و على صعيد آخر، سلطت المجلة الضوء على الأهمية المتزايدة للشراكة الاقتصادية بين البلدين، خاصة في قطاع الطاقة و مع تداعيات الحرب الأوكرانية والحاجة الأوروبية إلى تنويع مصادرها الطاقية، أصبح المغرب شريكا أساسيا لإسبانيا، مما عزز موقعه التفاوضي مع مدريد والاتحاد الأوروبي.
و فيما يتعلق بمسألة الهجرة، شدد التقرير على أن ذروتها كانت في عام 2018 مع تسجيل 6,800 حالة عبور، لكنها لا تزال تمثل تحديا مستمرا. مشيرا إلى أن المهاجرون الذين يقبض عليهم غالبا ما يعادون إلى المغرب أو إلى بلدانهم الأصلية، باستثناء القاصرين وطالبي اللجوء، مما يضع السلطات الإسبانية تحت ضغط قانوني وإنساني كبير.
وذكر التقرير إلى أن التعاون بين الرباط ومدريد في ملف الهجرة يعود إلى التسعينيات، حيث أبرمت عدة اتفاقيات ثنائية لإعادة المهاجرين. ومع ذلك، استطاع المغرب توظيف هذا الملف لتحقيق مكاسب دبلوماسية، لا سيما في سياق ملف الصحراء، ما يعكس براعة في إدارة علاقاته مع الجارة الأوروبية.