الرباط-متابعة
أثارت اللقاءات التواصلية التي عُقدت بتاريخ 24دجنبر 2024 لتقديم المقترحات الرئيسية لمراجعة مدونة الأسرة أسئلة جوهرية سواء على مستوى المنطلقات والشكل أو على مستوى طبيعة التعديلات المقترحة.
ويكشف هذا الأداء عن غياب توجه سياسي واضح بشأن مسألة أساسية تؤثر بشكل عميق على وضع ملايين النساء والفتيات داخل الأسر والمجتمع. حسب ما ورد في بيان للجمعية والذي توصلت “24 ساعة ” بنسخة منه، خاصة من الناحية المنهجية، حيث تُظهر المقترحات المطروحة نقصًا مهولا على مستوى الانسجام والرؤية الشمولية للتحديات المتعلقة بتحرر النساء.
فبدلاً من توضيح المشروع للرأي العام من طرف المؤسسة المعنية بالمبادرة التشريعية، فتح هذا الأسلوب في التواصل، في البدء، الطريق أمام مواقف فورية ومبسطة وغير متناسقة، وفيما بعد، ساهم في انتشار قراءات مغرقة في الرجعية من قبل أطراف أخرى، وأخيرا أدى إلى اجتياح، بمعنى الكلمة لتأويلات مغرضة عمدا، أو عن جهل واضح بالموضوع وبأبعاده، وهو أمر عززته وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية توجه ماضوي محافظ وثقافة أبوية سائدة.
وفي هذا الإطار، يوضح ذات البيان أن استبعاد المجلس العلمي الأعلى لأهم المطالب المطروحة من طرف الحركة من أجل حقوق النساء وحقوق الإنسان، ولا سيما مذكرة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب “من أجل تشريع أسري يضمن المساواة في الحقوق والعدل في الوضعيات والحالات “، يقترح المجلس الأعلى للعلماء، “بدائل” متوفرة أصلا ضمن الإطار القانوني الوطني وفي الممارسات الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، تُستخدم الهبة (المادة 238 من مدونة الحقوق العينية)في كثير من الأحيان لمعالجة كل المطالب المتعلقة بإعمال العدل.
وفي حالة المطلب المتعلق بإلغاء التعصيب يُبرم العديد من الآباء عقود هبة لتوزيع متساوٍ للتركة بين الأبناء والبنات أو لحماية الوارثات الإناث من العصبة، كما تُقترح الهبة كـجواب “بديل” للسماح بحقوق الوراثة بين الزوجين من ديانتين مختلفتين. فمدونة الأسرة، تجيز زواج المسلم بالكتابية، وفي نفس الوقت، لا تعتمد الأسباب الشرعية للإرث القائمة، حسب مدونة الأسرة، على القرابة والزوجية. لكن في كلتا الحالتين، ولأسباب اقتصادية واجتماعية، لا يمكن للهبة أن تكون بديلاً شاملاً وفعالاً وعادلاً للمآسي العائلية والاجتماعية الناجمة عن التعصيب وعن منع التوارث بين أفراد الأسرة، بما في ذلك الأطفال، والمكونة من أبوين من ديانات مختلفة.
أما في ما يخص، الرفض التام لاعتماد الخبرة الجينية كدليل على النسب، يشدد البيان ذاته أنه ليس أقل إثارة للدهشة. ألا يتعارض هذا الرفض بشكل مطلق مع الفصل 32 من الدستور ومع اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب؟ هل سيظل مصير الأطفال المولودين خارج إطار الزواج مرادفاً للتمييز والوصم إلى الأبد؟
إن هذه “البدائل” المفترضة ليست فعالة ولا عادلة. وهي بذلك تكشف عن عدم بذل المجلس العلمي الأعلى وهو هيئة دستورية، للمجهود المنتظر منه في مجال الاجتهاد الذي يُفترض أن يكون جزءً من أسباب وجودها ومهامها.
وعليه، نخلص البيان على أن الجمعية مستعدة لتقديم مقترحات تخص :
- المراجعة “الجديدة” التيتم تصوّرها ضمن إطار محدود لا يتعدى عموما “تعديلات بسيطة”. وهي تعديلات لا ترقى إلى مستوى مواجهة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الأسر والنساء اليوم. كما أنها منفصلة عن الديناميات الديمقراطية المعلنة والخطاب المتعلق بحقوق الإنسان.
- وأن المراجعة “الجديدة” تتماشى أكثر مع منطق التوافق المحافظ بدلاً من السير قدما وبالجرأة الكافية نحو تطوير تشريع يلائم طبيعة العلاقات الجديدة داخل الأسر. وهي بذلك تنتصر للحفاظ على “الوضع الراهن” بدلاً من تمكين المغربيات والمغاربة، وخاصة الأجيال الصاعدة، من استشراف مستقبل أكثر عدالة ومساواة خلال العقود المقبلة.