24 ساعة ـ عبد الرحيم زياد
في إطار دبلوماسية مغربية نشطة ومتسارعة، قام وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة. بجولة دبلوماسية مكثفة شملت الولايات المتحدة، فرنسا، إستونيا، مولدافيا، وكرواتيا خلال شهر أبريل 2025. هذه الجولة، التي وصفت بـ”الماراطونية”، أثمرت نجاحات دبلوماسية بارزة، عززت من الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، وأسهمت في تضييق الخناق على الجزائر في سياق التوترات الإقليمية المستمرة.
الولايات المتحدة: تعزيز الشراكة الاستراتيجية
بدأت الجولة في واشنطن، حيث التقى بوريطة بوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو وعدد من أعضاء الكونغرس المؤثرين. ركزت المباحثات على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة، مع التركيز على قضية الصحراء.
الولايات المتحدة، التي كانت أول دولة تعترف بمغربية الصحراء في ديسمبر 2020، جددت دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل جاد وواقعي للنزاع. كما تم بحث مقترحات جديدة، منها مبادرة سيناتور جمهوري لتصنيف جبهة البوليساريو كحركة إرهابية. وهي خطوة قد تزيد الضغط على الجزائر، الداعم الرئيسي للجبهة.
فرنسا: تثبيت الموقف الداعم
في باريس، التقى بوريطة بمسؤولين فرنسيين في زيارة تزامنت مع رئاسة فرنسا لجلسة مجلس الأمن حول الصحراء. أكدت فرنسا، عبر تصريحات رسمية، أن مغربية الصحراء “لم تعد محط نقاش”، مشددة على دعمها لمخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
هذا الموقف، الذي عززته زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الأخيرة للمغرب، يعكس تحولاً دبلوماسياً مهماً، حيث تلتزم فرنسا بالعمل على إقناع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بهذا الحل. افتتاح مركز TLS Contact في العيون يعد دليلاً ملموساً على هذا الدعم، مما يعزز الاعتراف الفعلي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
إستونيا ومولدافيا: توسيع دائرة الدعم الأوروبي
في إستونيا ومولدافيا، ركزت زيارات بوريطة على كسب دعم دول الاتحاد الأوروبي الشرقي. هذه الدول، التي كانت تتبنى مواقف محايدة في السابق، أبدت تأييداً متزايداً للمبادرة المغربية، خاصة في ظل الضغوط الدبلوماسية المغربية المكثفة. المحادثات مع المسؤولين في تالين وكيشيناو تناولت أهمية استقرار المنطقة، حيث قدم المغرب نفسه كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية. هذه الزيارات عززت من الزخم الدولي لصالح المغرب، مما قلل من مساحة المناورة الدبلوماسية للجزائر.
كرواتيا: تعزيز التحالفات الأوروبية
في زغرب، أجرى بوريطة مباحثات مع نظرائه الكرواتيين، مستفيداً من العلاقات الجيدة بين البلدين. كرواتيا، كعضو في الاتحاد الأوروبي، أعربت عن دعمها للحل المغربي، مشيدة بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية.
هذه الزيارة ساهمت في تعزيز الإجماع الأوروبي حول مغربية الصحراء، خاصة في ظل قرار المحكمة الأوروبية الأخير بعدم اعتبار الصحراء جزءاً من المغرب، وهو قرار واجهته الدبلوماسية المغربية بحملة مكثفة لتصحيح الرواية.
تضييق الخناق على الجزائر
تأتي هذه الجولة في سياق توترات إقليمية مع الجزائر، التي تستمر في دعم جبهة البوليساريو. النجاحات الدبلوماسية المغربية، التي شملت كسب دعم قوى عالمية مثل الولايات المتحدة وفرنسا، إلى جانب دول أوروبية صغيرة، قلصت من نفوذ الجزائر في المحافل الدولية. تصريحات بوريطة الأخيرة، التي اتهم فيها الجزائر بالسعي لتصعيد التوترات في المنطقة، عكست استراتيجية مغربية تهدف إلى تحميل الجزائر مسؤولية أي تصعيد محتمل. كما أن الدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي يضع ضغطاً مباشراً على الجزائر، التي تجد نفسها معزولة دبلوماسياً في هذا الملف.
دلالات النجاح الدبلوماسي
جولة بوريطة لم تكن مجرد زيارات بروتوكولية، بل حملت أبعاداً استراتيجية عميقة. أولاً، عززت من الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، حيث أصبحت مبادرة الحكم الذاتي مرجعية رئيسية في المحافل الدولية. ثانياً، أظهرت قدرة المغرب على بناء تحالفات متنوعة، تشمل القوى الكبرى والدول الصغرى على حد سواء. ثالثاً، ساهمت في عزل الجزائر دبلوماسياً، خاصة في ظل تراجع إسبانيا عن دعم المغرب في السابق وتأكيد الاتحاد الأوروبي على الحياد.
التحديات المستقبلية
رغم هذه النجاحات، تواجه الدبلوماسية المغربية تحديات، منها استمرار الجزائر في دعم البوليساريو والضغوط في بعض المحافل الدولية. كما أن قرارات مثل تلك الصادرة عن المحكمة الأوروبية تتطلب جهوداً مستمرة لمواجهة الروايات المعادية. ومع ذلك، فإن الزخم الحالي يعكس تفوق المغرب في إدارة هذا الملف بفعالية.
جولة ناصر بوريطة الدبلوماسية شكلت محطة بارزة في مسار تعزيز مغربية الصحراء. من واشنطن إلى زغرب. نجح المغرب في كسب دعم دولي متزايد، معززاً موقفه كقوة إقليمية مستقرة وموثوقة. هذه النجاحات، التي تزامنت مع تضييق الخناق على الجزائر، تؤكد فعالية الاستراتيجية المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس، وتفتح آفاقاً جديدة لتسوية نهائية للنزاع المفتعل.