24 ساعة-أسماء خيندوف
رسمت مجلة “جون أفريك” الفرنسية في تقرير مطول صورة قاتمة لحياة اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف الواقعة جنوب غرب الجزائر، واصفة إياهم بأنهم “ضحايا نزاع عمره نصف قرن تجاوزهم جميعا”.
ووفق المجلة فقد تخلت الجزائر، عن رهاناتها القديمة على جبهة البوليساريو، معتبرة أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب تظل الخيار الأكثر واقعية.
وسلط التقرير، الذي حرره الكاتب الموريتاني مبارك ولد بيروك، الضوء على معاناة سكان المخيمات الذين باتوا يرزحون تحت وطأة الصمت واليأس، مكتفين بما يسد الرمق من مياه توزعها الشاحنات ومعونات غذائية توفرها جهات دولية. كما اعتبر أن أكثر من خمسين سنة من الانتظار دفعت السكان إلى التخلي عن الشعارات والرموز، بعدما تيقنوا أن وجودهم بات رهينة صراع يخدم أجندات خارجية لا تمثلهم.
وأشار الكاتب إلى أن أغلب اللاجئين ولدوا في تلك المخيمات، ولم يعرفوا غير حياة العزلة بين الخيام والطرقات الطينية، وسط غياب لأي أفق سياسي أو اجتماعي. كما تحدث عن جيل شاب مغيب عن القرار، يعيش على هامش نزاع يديره آخرون، ولا يملك سوى الصمت والمراقبة.
وفي توصيفه لسلطة البوليساريو داخل المخيمات، تحدث التقرير عن نظام استبدادي تفرضه القيادة من خلال ميليشيات تتولى المراقبة والتفتيش وتفرض تصاريح للتنقل، في حين يحاول من حالفهم الحظ مغادرة المخيمات نحو الجزائر أو موريتانيا أو حتى إسبانيا.
وفي مشهد يعكس الفوارق الحادة بين السكان والقادة، شددت المجلة على أن عددا من شبان المخيمات لجؤوا إلى تهريب المساعدات الغذائية نحو شمال موريتانيا، بينما يعيش قادة الجبهة في واقع مغاير، يتنقلون بين العواصم ويمتلكون العقارات، مستغلين القبيلة والنفوذ لبسط سيطرتهم.
ونقل التقرير شهادة شابة زارت موريتانيا وقالت إن لا أحد هناك يتابع قناة البوليساريو، مؤكدة أن الإيمان بقيام “دولة مستقبلية” بات يقتصر على الشيوخ، في وقت عبرت فيه عن اقتناعها الشخصي بأن المشروع فقد روحه وبات بعيد المنال.
وتوقف صاحب التقرير عند مفارقة الواقع الحالي، قائلا إن وضع “اللاحرب واللاسلم” لم يعد يخدم أحدا، لا الجزائر ولا المغرب، مؤكدا أن حلم قيام “دولة صحراوية” أصبح فكرة من الماضي. ونقل عن قيادي سابق في البوليساريو عاد إلى المغرب، قوله إن مسؤولا جزائريا أخبره بعدم وجود أي أمل في تحقيق نصر عسكري على المملكة.
واعتبرت المجلة أن الجبهة فقدت شعبيتها، وأن استمرارها بهذا الشكل يثير مخاوف لدى دول الجوار، نظرا لوجود جماعات مسلحة قد تستغل الوضع لمد نفوذها، وهو ما يهدد الاستقرار الإقليمي.
وتابع التقرير أن المغرب لن يقبل مطلقا بانفصال أقاليمه الجنوبية التي تحولت إلى قضية وطنية جامعة، فيما تنظر موريتانيا بقلق إلى أي مشروع انفصالي قد يطال شمالها. وخلص إلى أن النزاع، الذي يعود بجذوره إلى حرب الرمال عام 1963 بين المغرب والجزائر، لم يعد مبررا، وأن الحل يكمن في تجاوز منطق الصراع نحو بناء مستقبل يليق بسكان المنطقة.
وأكدت المجلة في ختام تقريرها أن الوجود المغربي في الصحراء بات أمرا واقعا، وأن مبادرة الحكم الذاتي تمثل حلا عمليا يبقي على وحدة المملكة، ويمنح الصحراويين صلاحيات واسعة لتدبير شؤونهم المحلية دون المساس بالسيادة الوطنية.