المهدي عربة
في جغرافيا يُفترض أن تكون نواة للتكامل والتآزر، تنمو بذور القطيعة، وتُروى بخطابات التوجس والعداء. بين المغرب والجزائر، لا تقف الحدود عند الأسلاك الشائكة، بل تتجاوزها إلى جدران نفسية وتاريخية، تعكس أزمة رؤية أكثر مما تعكس مجرد خلاف سياسي.
لقد ظل النظام الجزائري، ومنذ عقود، حبيس منطق كلاسيكي في قراءة الجوار: منطق يعتبر نجاح الدولة القريبة تهديدًا لا محفزًا، ويفضّل إخفاق الجار على مشاركته الازدهار، متجاهلًا أن هذه الذهنية هي ما أحرق أوروبا بنيران الحروب، حتى اهتدت إلى أن لا أمن دون أمن جماعي، ولا ازدهار دون ازدهار مشترك.
في المقابل، اختار المغرب خطابًا براغماتيًا متدرجًا، يؤمن بالتكامل الإقليمي، ويستثمر في إفريقيا، ويصوغ تحالفاته على أساس المصالح لا الانفعالات. ومع كل خطوة إلى الأمام، تُستثار مخاوف النخبة الحاكمة في الجزائر، لا على الدولة، بل على شرعية نظام لم يُنتج نموذجًا تنمويًا متماسكًا، فبقي يُؤَسّس وجوده على عدو خارجي يبرر به عجزه الداخلي.
وإن كان ملف الصحراء هو رأس جبل الجليد في هذا الخلاف، فإن ما تحته أعظم: صراع بين مشروعين متناقضين. مشروع يرى في المستقبل فرصة للتنمية والاندماج، وآخر يستحضر الماضي كدرع يتقي به رياح التغيير.
أما الشعب الجزائري، فهو ضحية لا شريك في هذا التنافر. ضحية لإعلام موجَّه، وسرديات رسمية تُلقّن منذ الصغر، وحدود مغلقة تقطع أوصال الأخوّة قبل أن تقطع خطوط التجارة. إنه شعبٌ لم يُتح له أن يعرف المغرب كما هو، بل كما يراد له أن يُقدَّم في نشرات الأخبار.
ورغم هذا كله، فإن جذوة المحبة لم تخبُ بين الشعبين. فما نراه من تعاطف في منصات التواصل، وما يُعبَّر عنه من احترام متبادل في مواقف كثيرة، يؤكد أن “العداء الرسمي” لم ينجح في اقتلاع “الود الشعبي”.
أمام هذه الصورة، يبقى السؤال الحارق: إلى متى سيظل التاريخ سجنًا للمستقبل؟ متى تدرك النخبة في الجزائر أن أمنها لا يُبنى على إضعاف الآخر، بل على أن تكون شريكًا في بناء مغربٍ كبير، لا مجرد مراقب متوجس من نجاح غيره؟
الزمن تغيّر، والجغرافيا لا ترحم من يعاند منطقها. فإما أن نرتقي إلى أفق الشعوب المتصالحة، أو نظل رهائن صراعٍ أرهق الأجيال، ولا رابح فيه سوى الخيبات.