24 ساعة-عبد الرحيم زياد
يواجه المغرب أزمة مائية حادة، حيث تشير التقارير إلى أن المملكة قد تفقد 30% من مواردها المائية بحلول عام 2050. ويبلغ متوسط استهلاك الفرد للمياه حاليًا 606 متر مكعب سنوياً، وهو رقم مرشح للارتفاع مع استمرار النمو السكاني والتوسع الاقتصادي.
تغيرات مناخية وتأثيرات سلبية
يُلقي التقرير مركز الدراسات الاستراتيجية في أفريقيا. باللوم على التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد، والتي تتمثل في توالي فصول الصيف الجافة والشتاء المعتدل بشكل غير طبيعي. هذه التغيرات تؤثر سلباً على تجديد المياه الجوفية، وتقلل من الإنتاج الزراعي، وتزيد من الضغط على جميع القطاعات التي تعتمد على المياه، وخاصة الزراعة والصناعة.
استغلال مفرط للمياه الجوفية وتلوث
يشير التقرير إلى أن استغلال المياه الجوفية في المغرب يتجاوز بشكل كبير الحدود المستدامة. فمن بين 3.68 مليار متر مكعب من المياه التي يتم سحبها سنوياً، هناك حوالي 240 مليون متر مكعب تتجاوز قدرة التجديد الطبيعي، مما يعرض المخزون الجوفي للخطر. هذا الاستغلال المفرط يؤدي إلى انخفاض مقلق في مستويات المياه، وفي بعض المناطق إلى الجفاف التدريجي للمصادر الطبيعية.
تتأثر المناطق المروية بالطرق التقليدية، مثل الواحات، بشكل خاص، حيث يتسارع تراجع المساحات المزروعة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الأنهار الرئيسية في البلاد من تدهور كبير في جودتها، بسبب تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة وتلوث المياه الجوفية بالنترات. وبحسب الدراسة، فإن 7% فقط من مياه الصرف الصحي تخضع للمعالجة، وهي نسبة غير كافية لمواجهة التحديات البيئية.
تحديات إضافية: تدهور السدود ونقص التخطيط
يشكل تدهور السدود تحدياً كبيراً آخر. ففي كل عام، تُفقد حوالي 65 مليون متر مكعب من القدرة التخزينية بسبب تراكم الطمي، مما يؤثر على الاستراتيجية الوطنية لتعبئة الموارد المائية. علاوة على ذلك، يُظهر البرنامج الوطني لإدارة مستجمعات المياه تأخراً مقلقاً، حيث لم يتم تطوير سوى 35 ألف هكتار، وهو أقل بكثير من 75 ألف هكتار المقررة في البداية.
نموذج إدارة المياه موضع تساؤل
ينتقد التقرير نموذج حوكمة المياه غير المتوازن، حيث تعطى الأولوية للمحاصيل التصديرية والأنشطة الصناعية على حساب صغار المزارعين والسيادة الغذائية. وفي الوقت نفسه، يثير خيار التحويلات بين الأحواض، وخاصة مع المشروع المثير للجدل لتحويل مياه سبو إلى الدار البيضاء والرباط، تساؤلات حول مدى استدامته على المدى الطويل.
كما تنتقد الدراسة أيضاً عدم وجود رؤية متكاملة وتشاركية في السياسات المائية، مشيرة إلى غياب التشاور مع المستخدمين وهيمنة الحلول التقنية والإدارية البحتة.
توصيات لمستقبل مائي مستدام
في مواجهة هذه التحديات، يقترح المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمية سلسلة من التوصيات. تهدف إلى إرساء إدارة أكثر توازناً وشفافية للموارد المائية
ومن بينها، وضع “برنامج لإعادة التوازن المائي الإقليمي”، يضمن توزيعاً أكثر إنصافاً للمياه حسب الاحتياجات المحلية وتوافر الموارد.
كما يشمل المحور الاستراتيجي الموصى به إدخال الحلول الرقمية. ويعد استخدام العدادات الذكية، واللجوء إلى الذكاء الاصطناعي لتحسين توزيع المياه، وتعميم المنصات الرقمية للمتابعة في الوقت الفعلي. من بين الإجراءات الموصى بها لتحسين الشفافية وتقليل الهدر.
على صعيد التمويل، يدعو التقرير إلى دمج الوقف في تطوير مشاريع مائية مستدامة، من خلال “صندوق الوقف الذكي للمياه” الذي يعمل بتقنية البلوك تشين لضمان إدارة شفافة للتبرعات.
أخيراً، تشدد الدراسة على ضرورة تعزيز التعاون الدولي من أجل اعتماد تكنولوجيات متقدمة. في مجال تحلية المياه والري المقاوم للجفاف، مع الدعوة إلى إصلاح شامل للممارسات الزراعية للحد من استنزاف الموارد.
من خلال هذه التوصيات، يرسم التقرير الخطوط العريضة لاستراتيجية للخروج من الأزمة. تقوم على الابتكار وحوكمة مائية أكثر إنصافاً لضمان الأمن المائي للأجيال القادمة.