24 ساعة – عبد الرحيم زياد
حلت يوم أمس 10 ماي 2025، الذكرى الـ52 لتأسيس الكيان الإنفصالي. جبهة البوليساريو، الذي أُسس عام 1973 من طرف من الجزائر بهدف زعزعة الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وعلى مدار نصف قرن، ظل هذا الكيان الوهمي، أداة في يد النظام الجزائري لمعاداة المغرب ومحاولة النيل من سيادته على أقاليمه الجنوبية.
لكن، وبعد مرور خمسة عقود، تؤكد التطورات الدبلوماسية والسياسية أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ سيادته الكاملة على صحرائه، فيما يتآكل مشروع البوليساريو الانفصالي أمام الواقعية السياسية والدعم الدولي المتزايد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي.
أداة جزائرية ضد المغرب
لا يخفى على أي متتبع لقضية الصحراء المغربية، أن جبهة البوليساريو تأسيت في سياق الحرب الباردة، حيث استغلت الجزائر الظروف الدولية آنذاك لدعم حركة انفصالية على أراضي الصحراء المغربية.
منذ البداية، كانت الجزائر الراعي الرسمي لهذا الكيان، حيث قدمت له بسخاء الدعم المالي والعسكري واللوجستي، وخصصت مخيمات تندوف على أراضيها كقاعدة لعمليات البوليساريو. لكن هذا الدعم لم يكن نابعا من إيمان حقيقي بحق تقرير المصير كما تدعي، بل كان الأمر جزءا من استراتيجية جيوسياسية تهدف إلى إضعاف المغرب والحصول على منفذ في المحيط الأطلسي عبر الصحراء المغربية.
على مر السنين، كشفت الحقائق عن طبيعة هذا الكيان. فالبوليساريو، التي تدعي تمثيل الشعب الصحراوي، لم تكن سوى واجهة لأجندة جزائرية، حيث يعيش المحتجزون في مخيمات تندوف تحت ظروف إنسانية كارثية، محرومين من الحقوق الأساسية، فيما تستغل قيادات الجبهة المساعدات الدولية لتحقيق مكاسب شخصية.
الوحدة الترابية المغربية: صمود وشرعية تاريخية
في المقابل، ظل المغرب متمسكا بحقه التاريخي والقانوني في صحرائه، مستندًا إلى روابط البيعة التي تربط سكان الأقاليم الجنوبية بالعرش العلوي، والتي سبقت الاستعمار الإسباني. منذ استرجاع الصحراء عام 1975 عبر المسيرة الخضراء، بذل المغرب جهودًا جبارة لتنمية هذه الأقاليم، حيث استثمر أكثر من ربع ميزانيته على مدى عقود لتطوير البنية التحتية والخدمات في مدن مثل العيون والداخلة والسمارة، لتصبح مراكز حضرية متطورة وقادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي.
هذا الالتزام بالتنمية لم يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل شمل تعزيز الشرعية الدولية لسيادة المغرب على صحرائه. فقد شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الانتصارات الدبلوماسية، حيث أعلنت دول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي للنزاع. كما سحبت العديد من الدول، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية”، في تأكيد على تراجع شرعية البوليساريو دوليًا.
الحكم الذاتي: الحل الواقعي الوحيد
منذ تقديمها عام 2007، شكلت المبادرة المغربية للحكم الذاتي منعطفًا حاسمًا في مسار النزاع. تقترح هذه المبادرة منح الأقاليم الصحراوية حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية، يتيح للسكان المحليين إدارة شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل ديمقراطي، مع الاحتفاظ بالاختصاصات السيادية للدولة المغربية. هذا المقترح، الذي وُصف بـ”الجدي والواقعي” من قبل مجلس الأمن الدولي، حظي بدعم متزايد كونه يحقق التوازن بين تطلعات الساكنة المحلية واستقرار المنطقة.
على النقيض، تستمر البوليساريو، بدعم الجزائر، في التشبث بخيار الاستفتاء الذي أثبتت الأمم المتحدة استحالته عمليًا بسبب صعوبات تحديد الكتلة الناخبة. هذا التشبث ليس سوى محاولة لإطالة أمد النزاع المفتعل. في وقت تتكشف فيه تناقضات الجزائر التي تدعي دعم تقرير المصير بينما تمارس القمع ضد حركات انفصالية داخل أراضيها، مثل حركة القبائل.
البوليساريو… نصف قرن من الفشل
بعد مرور 52 عامًا على تأسيسها، تواجه جبهة البوليساريو أزمة وجودية. فالكيان الذي راهنت عليه الجزائر لتقسيم المغرب يعاني من عزلة دولية متزايدة، حيث تخلت عنه العديد من الدول التي كانت تدعمه سابقًا. داخليًا، تشهد مخيمات تندوف احتقانًا متصاعدًا بسبب سوء الأوضاع الإنسانية واستغلال قيادات الجبهة للموارد. بل إن تقارير حديثة أشارت إلى استسلام عناصر من البوليساريو للقوات المغربية، في دلالة على تفكك الكيان من الداخل.
في المقابل، يواصل المغرب تعزيز مكانته كقوة إقليمية، حيث أصبحت أقاليمه الجنوبية مركزًا للاستثمار والتنمية، ووجهة للمبادرات الدولية مثل المبادرة الأطلسية. هذا التقدم يعكس نضج الدبلوماسية المغربية التي استطاعت تحويل النزاع المفتعل إلى فرصة لتأكيد السيادة والاستقرار.
المستقبل للوحدة الترابية للمغرب
مما سبق يتضح أن الكيان الوهمي، الذي صُنع للنيل من الوحدة الترابية المغربية، لم يعد سوى ظل لما كان عليه. نصف قرن من الصراع أثبت أن المغرب، بفضل رؤيته الاستراتيجية ودبلوماسيته النشطة، هو الطرف الذي يملك المبادرة والحل. الحكم الذاتي، كما اقترحه المغرب، ليس مجرد خيار سياسي، بل هو السبيل الوحيد لضمان كرامة الساكنة الصحراوية واستقرار المنطقة.
أما الجزائر وصنيعتها البوليساريو، فإن استمرارهما في سياسة العناد لن يؤدي سوى إلى مزيد من العزلة والفشل، فيما يواصل المغرب مسيرته نحو تحقيق الوحدة الترابية الكاملة.