من اعداد: الراعي حفصة / ايمان السلاوي / ايمان العماري / ريان المير
هذا المقال، المقدم ضمن مسابقة “صحفيون شباب من أجل البيئة”، يسلط الضوء على التنوع البيئي الثمين في المغرب، ويكشف عن التحديات التي تواجهه، مستعرضًا في الوقت ذاته الجهود المبذولة على المستوى الوطني لمواجهة هذه الأزمة البيئية الملحة. إنها دعوة لجيل الشباب، قادة المستقبل وحماة البيئة، للتعرف على كنوز وطنهم والمساهمة الفعالة في صونها وضمان مستقبل أخضر ومستدام للمغرب.
التنوع الطبيعي والجغرافي في المغرب
يزخر المغرب بخصائص طبيعية وجغرافية فريدة تميزه عن باقي دول إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط. تتغير الخصائص المناخية والتضاريسية حسب المنطقة، حيث نجد في الجنوب غلبة المناخ الجاف الصحراوي شبه القاحل، إضافة إلى جبال الأطلس الكبير والصغير والصحراء الكبرى،
بينما تتميز مناطق الغرب بهيمنة السهول والهضاب. أما الوسط والشمال فيتفردان بسلاسل جبال الأطلس المتوسط التي تُعرف أيضًا بخزان مياه المغرب، بالإضافة إلى مناخ قاري في الوسط، ومناخ متوسطي في الشمال وسهول داخلية وساحلية غنية خصبة مثل سهول فاس ومكناس.
وقد ساهمت هذه العوامل في تشكل غطاء غابوي يتوزع في شكل كتل حرجية تغطي مساحة 2.5 مليون كيلومتر مربع تقريبًا، وتتميز بتنوع بيولوجي كبير يشمل أكثر من 30 نوعًا رئيسيًا من الأشجار، ومثلها من الأنواع الثانوية، إضافة إلى 24602 نوعًا حيوانيًا، من بينها 454 نوعًا من الطيور المهاجرة والمعمرة، وعدد من الحيوانات المهددة بالانقراض مثل أسد الجبال وثعلب الصحراء.
ويساهم هذا المجال الغابوي بقيمة مضافة نسبتها 1.5% من الناتج الداخلي الإجمالي ويوفر حوالي 50000 منصب شغل.
التحديات البيئية التي تهدد الغابات المغربية
إلا أن هذا المجال الخصب يعاني من مشاكل عدة تهدد استمراريته، بدءًا بإزالة الغابات والجفاف الذي تعانيه البلاد في السنوات الأخيرة، حيث تراجعت معدلات الأمطار بشكل ملحوظ، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة التي تتسبب في استنزاف الموارد المائية.
تشكل هذه الظواهر مجتمعة تهديدًا حقيقيًا للتوازن الإيكولوجي، وتضع الأمن الغذائي والموارد الطبيعية للبلاد على المحك. فالغابات المغربية، التي لطالما كانت ملاذًا للتنوع البيولوجي ورئةً تُنعش الهواء، باتت اليوم تُستنزف بشكل مقلق. تُفقد آلاف الهكتارات سنويًا نتيجة القطع الجائر للأشجار والرعي العشوائي بمعدل 31 ألف هكتار سنويًا وفقًا للتقارير الرسمية، مما أدى إلى تدهور الغطاء النباتي وانحسار المساحات الخضراء التي تُعتبر حائط الصد الأول في وجه انجراف التربة واشتداد التلوث.
وفي الجانب الآخر، يُحكم التصحر قبضته، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية، حيث تُبتلع الأراضي الزراعية شيئًا فشيئًا تحت وطأة زحف الرمال وتدهور التربة، مما يهدد سبل عيش المزارعين ويضع البلاد أمام تحديات حادة في مواجهة نقص الإنتاج الزراعي وتآكل مقومات التنمية الريفية.
الحرائق الغابوية وتأثير التلوث
يمكن اعتبار الحرائق الغابوية والتلوث الناتج عنها من أبرز القضايا البيئية التي تؤثر على توازن النظم الإيكولوجية واستدامة الموارد الطبيعية، نظرًا لدور الغابات الحيوي في تنظيم المناخ وتنقية الهواء.
تواجه هذه المساحات الخضراء تهديدات مستمرة بسبب الحرائق الغابوية، التي تكون أحيانًا نتيجة عوامل طبيعية وتغيرات مناخية، حيث تم تسجيل 270 حريقًا أتى على مساحة إجمالية قدرها 780 ألف هكتار بمعدل 2.9 هكتار لكل حريق سنة 2024. كما بلغ عدد الحرائق السنوي خلال السنوات العشر الماضية (2014-2023) حوالي 310 حرائق.
لكن غالبًا ما يكون للتدخل البشري دور كبير في تدمير الأوساط، حيث بلغ معدل الزحف العمراني مستويات خطرة تهدد استمرارية هذه الأغطية النباتية. فبفعل النمو الديموغرافي الهائل، تضحي الدولة سنويًا بـ 5000 هكتار من المساحات الخضراء لتوفير مأوى لـ 160 ألف أسرة ومجالات استثمارية جديدة.
ولا يقتصر التلوث الناتج عن الحرائق على تلوث الهواء، بل يمتد إلى الانبعاثات الغازية الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون، الذي يعد من أهم مسببات الاحتباس الحراري.
جهود الدولة لمواجهة الأزمة البيئية
إن هذه الأزمة البيئية الخانقة لا تقف عند حدود تهديد الموارد الطبيعية فحسب، بل تمتد لتشكل خطرًا وجوديًا على مستقبل الأجيال القادمة. لذلك، عبأت السلطات المغربية عدة وسائل للتغلب على هذه المعضلة، أهمها إطلاق استراتيجية “غابات المغرب 2020-2030″، التي تهدف إلى إعادة تأهيل النظم البيئية الغابوية وتعزيز استدامتها. شملت هذه الاستراتيجية زيادة نقاط المراقبة من 1450 نقطة عام 2020 إلى 1950 نقطة عام 2022، واعتماد إجراءات لمكافحة الآفات الزراعية.
بالإضافة إلى وضع مخطط وطني لتهيئة الأحواض المائية منذ 1996، يستهدف معالجة 1.5 مليون هكتار. كما تضمنت الجهود تثبيت 800 هكتار من الكثبان الرملية عام 2021 و1220 هكتارًا عام 2022، مما يعكس التزام المغرب بحماية غاباته وتثمين مواردها عبر مقاربة مستدامة.
الحفاظ على البيئة: ضرورة ملحة
من خلال كل ما سبق، نستنتج أن الحفاظ على البيئة لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحة تفرضها التحديات المتزايدة. فإزالة الغابات والتصحر والجفاف ليست مجرد مشكلات بيئية عابرة، بل أزمات وجودية تستلزم تحركًا عاجلاً. يجب تبني سياسات بيئية صارمة تقوم على إعادة التشجير، تقنين استغلال الموارد المائية، تعزيز الوعي المجتمعي، والاستثمار في الطاقات المتجددة، والحد من التوسع العمراني العشوائي. المغرب، بتنوعه البيولوجي الفريد، يستحق أن يكون نموذجًا في التوازن بين التطور والحفاظ على البيئة، لضمان حق الأجيال القادمة في هواء نقي وأرض خصبة ومستقبل أخضر.