الدار البيضاء-أسماء خيندوف
مع سقوط نظام بشار الأسد وإزاحته عن كرسي الرئاسة السورية صباح أمس الأحد 8 دجنبر 2024، يتوقع الخبراء أن تشهد العلاقات بين المغرب وسوريا تقاربا ملحوظا في حال نجاح البلاد في إرساء نظام سياسي مستقر، ومعتدل على مستوى علاقاته الخارجية، متحلل من التحكم الخارج.
ويرى محللون أن هذا التحول قد يفتح آفاقا جديدة للتعاون بين البلدين، خاصة في ظل التحديات الإقليمية المشتركة والفرص التي قد يوفرها الاستقرار السياسي في المنطقة.
أول تعليق للرباط
في أول موقف رسمي للمملكة، أكد وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، خلال ندوة صحفية عقدت اليوم الاثنين، على هامش مباحثاته مع المرشح لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي أن “المملكة المغربية تتابع بعناية التطورات الأخيرة في سوريا”.
وأضاف أن “المملكة، بتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اتخذت دائما موقفا واضحا الحفاظ على سلامة أراضيها وسيادتها الوطنية ووحدة الشعب السوري”.
وأعرب بوريطة عن أمل المغرب في أن تساهم هذه التطورات الأخيرة في “إرساء استقرار دائم للشعب السوري، والاستجابة لتطلعاته المشروعة وفتح الطريق نحو مستقبل أفضل”.
و اشار المسؤول المغربي، إلى أن الرباط أغلقت في السابق سفارتها في دمشق، وطلبت إغلاق سفارة سوريا بالرباط ، منذ 2012.
بوريطة، أكد أن المغرب كان دائما مع الحفاظ على سيادة سوريا ومنع التدخل الاجنبي ، و يدفع نحو الاستقرار و سيادة ووحدة سوريا.
نحو صفحة جديدة؟
أكد خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، على أن العلاقات بين المغرب وسوريا قد تشهد تحسنا ملحوظا مقارنة بالفترة التي كان فيها بشار الأسد رئيسا، وذلك في حال نجاح سوريا في تحقيق الاستقرار السياسي.
وأضاف أنه في حال وصول قادة الثورة السورية إلى السلطة، قد تتقارب مواقفهم مع المغرب بشكل أكبر، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو يظل مشروطًا بإرساء نظام سياسي مستقر في سوريا، بعيدًا عن النموذج الليبي الذي يشهد حالة من الانقسام والفوضى.
وأوضح الشيات، أن المغرب لا يعتمد على أي دعم خارجي، سواء كان سياسيا أو عسكريا أو ماليا، بل يراهن على مبدئية التعامل بين الدول القائمة على احترام إرادة الشعوب، وهو المبدأ الذي غاب عن نظام بشار الأسد.
وأشار إلى أن المغرب يركز على المبادئ الثابتة في سياسته الخارجية، ويؤمن بأن العلاقات الدولية يجب أن تبنى على أسس من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.
وفيما يتعلق بالعلاقات المغربية السورية، شدد المختص على أن هذه العلاقات، رغم اختلاف الأنظمة السياسية عبر التاريخ، وخاصة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، كانت تظل في إطار من التعاون الطبيعي. ورغم التباينات السياسية، لم تشهد العلاقات بين البلدين أي حالات عداء أو توترات كبيرة.
كما أورد أن هذه العلاقات تميزت دائما بالاحترام المتبادل والعمل العربي المشترك، مشيرا إلى إرسال المغرب لتجريدة إلى الجولان عام 1970، كدليل على التزامه بقضايا الأمة العربية ومساندته للحقوق المشروعة.
و أكد على أنه مع وصول بشار الأسد إلى السلطة، لم يطرأ تغيير كبير على موقف المغرب تجاه النظام السوري. لكن مع اندلاع الثورة السورية، اختار المغرب اتخاذ مسافة واضحة من النظام السوري، خصوصا بعد أن لجأ الأسد إلى القمع في تعامله مع المطالب الشعبية التي كانت في البداية سلمية ومطالبة بإصلاحات سياسية.
و في هذا السياق، شدد الشيات على أن هذا الموقف المغربي يوازي إلى حد بعيد ما حدث في المغرب خلال أحداث 20 فبراير، حيث تعامل النظام المغربي مع المطالب الشعبية بطريقة سلمية دون اللجوء إلى العنف.
ورأى الشيات أن النظام المغربي اتخذ موقفا حاسما بناء على هذه المعطيات، التي تجسدت في ممارسات العنف والتهجير التي تعرض لها السوريون، وهي ممارسات تفتقر إلى أي أسس أخلاقية أو مبدئية. مؤكدا على أن النظام السوري في عهد بشار الأسد لم يصل إلى حد العداء المباشر مع المغرب.
وفيما يخص قضية الصحراء المغربية، أكد المختص أن محاولات النظام الجزائري للتقرب من بشار الأسد، عبر تقديم مزايا وتصريحات داعمة له، لا تتعدى كونها مناوشات سطحية ومحدودة في إطار التفاعلات داخل الأمم المتحدة، حيث لم تخرج عن دائرة التصريحات السياسية التي تفتقر إلى تأثير حقيقي أو تغيير ملموس في المواقف الدولية.
و من جهته يرى العمراني بوخبزة المحلل السياسي و أستاذ القانون العام بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أن سقوط نظام بشار الأسد لم يكن مفاجئا بل كان متوقعا، مشيرا إلى أنه استطاع البقاء في السلطة إلا بمساعدة روسيا و إيران و حزب الله اللبناني.
و أضاف أن انهيار النظام السوري سيجعل سوريا ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الدولية والإقليمية. حيث روسيا وإيران، اللتان دعمتا النظام طوال سنوات الحرب، قد تسعيان للحفاظ على نفوذهما في المنطقة، بينما قد تعمل الولايات المتحدة ودول الغرب على دعم المعارضة المعتدلة وتحقيق مصالحها الاستراتيجية. مشيرا إلى أن هذا التدخل الدولي قد يساهم في تأزيم الوضع، مع تحولات سريعة في المواقف والتكتلات.
وشدد على أن إحدى التحديات الرئيسية التي قد تطرأ بعد سقوط بشار الأسد هي الفراغ السياسي الذي سيتركه. النظام السوري، الذي كان قائما على هيكلية مركزية ودكتاتورية قوية، لا يملك بدائل واضحة. مؤكدا على أن الأحزاب السياسية والميليشيات المسلحة ستتنافس على السلطة والنفوذ، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي. قد تشهد البلاد فوضى شديدة، مع ظهور جماعات متشددة وسلطات محلية تسعى للهيمنة على الأراضي.
وتابع حديثه بأن إعادة بناء سوريا ستكون عملية شاقة وطويلة، حيث أن البلاد بحاجة إلى استثمارات ضخمة في جميع القطاعات، بدءا من البنية التحتية وصولا إلى المؤسسات الحكومية. ومع ذلك، فإن الفساد الحاصل في النظام السوري سيكون عائقا كبيرا أمام هذه العملية.
كما أشار أن الوضع الأمني الهش يمكن أن يؤدي إلى صعوبة في تأمين مشاريع اعادة الاعمار وحماية الأفراد في المناطق التي تم تدميرها.
و حذر من أن ملايين السوريين الذين شردهم النزاع في الداخل والخارج سيواجهون تحديات في العودة إلى وطنهم بسبب ظروف الحرب، والدمار الواسع الذي خلفته، ستجعل من عملية العودة صعبة للغاية. كما أن المجتمعات التي استضافت اللاجئين قد تواجه ضغوطا إضافية في حال توافدت أعداد كبيرة من العائدين دفعة واحدة، وهو ما قد يؤدي إلى تجدد الصراعات داخل المناطق التي كانت هادئة نسبيا.