24 ساعة ـ عبد الرحيم زياد
يُعد نقل مسؤولية إنتاج وتوزيع الخرائط البحرية للمياه المغربية من المصلحة الوطنية الفرنسية للهيدروغرافيا والأوقيانوغرافيا (Shom) إلى البحرية الملكية المغربية خطوة استراتيجية تُعزز سيادة المغرب على مجاله البحري. هذا القرار، الذي أبرز أهميته الخبير والمحلل السياسي محمد شقير في تصريح لجريدة “24 ساعة” الإلكترونية، يندرج ضمن سياقين رئيسيين: الأول عسكري يتعلق بتطوير قدرات البحرية الملكية، والثاني دبلوماسي يرتبط بترسيم الحدود البحرية. في هذا المقال، نستعرض أبعاد هذه الخطوة ودلالاتها في إطار السعي المغربي لتكريس سيادته البحرية.
تطوير البحرية الملكية: ركيزة السيادة البحرية
و أكد شقير أنه ومنذ تولي جلالة الملك محمد السادس الحكم، شهدت البحرية الملكية المغربية تطورًا ملحوظًا يعكس الرؤية الاستراتيجية لتعزيز القدرات الدفاعية البحرية. تضمن هذا التطوير إنشاء قاعدة بحرية حديثة في القصر الصغير، إلى جانب تزويد البحرية بعدد من السفن الحربية والفرقاطات المتطورة. كما تُجري المملكة مفاوضات لاقتناء غواصة من فرنسا أو ألمانيا، مما يُعزز قدراتها في مراقبة وتأمين المياه الإقليمية. هذه الإنجازات تُشكل أساسًا متينًا لنقل مسؤولية إنتاج الخرائط البحرية إلى البحرية الملكية، حيث أصبحت الأخيرة مجهزة تقنيًا وبشريًا لتولي هذه المهمة الحيوية.
إن الخرائط البحرية ليست مجرد أدوات رسم، يضيفشقير، بل هي أساسية لتدبير المجال البحري وضمان أمن الحدود. تساهم هذه الخرائط في تمكين البحرية الملكية من تنفيذ مهامها الأمنية، مثل حماية الممرات المائية، مكافحة التهريب، والدفاع عن الحدود البحرية، خاصة في ظل تزايد أنشطة التهريب بأشكاله المختلفة في منطقة المحيط الأطلسي.
ترسيم الحدود البحرية: خطوة دبلوماسية حاسمة
يندرج نقل إنتاج الخرائط البحرية أيضًا ضمن السياق الدبلوماسي لترسيم الحدود البحرية المغربية، يؤكد شقير، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بالعلاقات مع إسبانيا ومسألة جزر الكناري. لقد عمل المغرب خلال السنوات الأخيرة على تحديد حدوده البحرية بشكل دقيق، من خلال قوانين واتفاقيات دولية، لتكريس سيادته على مياهه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخاصة. هذا الجهد يُعد جزءًا من استراتيجية شاملة لتأكيد الحقوق المغربية في المجال البحري، سواء من الناحية القانونية أو العملياتية.
الاتفاق مع فرنسا لنقل إنتاج الخرائط البحرية، يضيف المتحدث، يُمثل تتويجًا لهذه الجهود، حيث يُتيح للمغرب التحكم الكامل في رسم خرائط حدوده البحرية وممراته المائية. هذه الخطوة تُعزز من استقلالية المغرب في تدبير مجاله البحري، وتُقلل من اعتماده على جهات أجنبية في مجال حساس يتعلق بالسيادة الوطنية.
أهمية الخرائط البحرية في مواجهة التحديات الأمنية
و يضيف المحلل السياسي محمد شقير، أن المحيط الأطلسي، الذي يُشكل واجهة المغرب البحرية. يعتبر منطقة جيو-استراتيجية حيوية تربط بين ثلاث قارات: إفريقيا، أوروبا، وأمريكا. هذا الموقع يجعل المياه المغربية عرضة لأنشطة غير قانونية، مثل تهريب المخدرات، الهجرة غير النظامية، والصيد غير المشروع. في هذا السياق، تُصبح الخرائط البحرية أداة أساسية لتمكين البحرية الملكية من السيطرة على المجال البحري، من خلال تحديد الممرات الآمنة، مراقبة الأنشطة المشبوهة، والاستجابة السريعة للتهديدات.
إن التحكم في إنتاج الخرائط البحرية يُمكن البحرية الملكية من تصميم خرائط دقيقة تُلبي احتياجاتها الأمنية والدفاعية، مما يُعزز قدرتها على حماية الحدود الوطنية. كما أن هذه الخطوة تُسهم في بناء قاعدة بيانات بحرية وطنية، تُستخدم في التخطيط الاستراتيجي والتنسيق مع الشركاء الدوليين في مجالات مثل مكافحة الجريمة عبر الحدود.
تكريس السيادة البحرية: رؤية شاملة
يُمثل نقل مسؤولية إنتاج وتوزيع الخرائط البحرية إلى البحرية الملكية المغربية، حسب شقير، خطوة نوعية نحو استكمال مظاهر السيادة البحرية. فالسيادة لا تقتصر على حراسة الحدود البحرية أو تأمين المياه الإقليمية، بل تشمل أيضًا القدرة على تدبير المجال البحري بشكل مستقل. من خلال هذا القرار، يُظهر المغرب التزامه بتعزيز قدراته الذاتية في مجال الهيدروغرافيا والأوقيانوغرافيا، مما يُعزز مكانته كدولة بحرية فاعلة في المنطقة.
علاوة على ذلك، يضيف المتحدث، تُبرز هذه الخطوة التعاون البناء بين المغرب وفرنسا، حيث يُظهر الاتفاق قدرة البلدين على تنسيق جهودهما في قضايا ذات أهمية استراتيجية. هذا التعاون لا يُقلل من استقلالية المغرب، بل يُعززها من خلال نقل الخبرات والتكنولوجيا إلى البحرية الملكية، مما يُمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال.
إن نقل مسؤولية إنتاج وتوزيع الخرائط البحرية من المصلحة الفرنسية (Shom) إلى البحرية الملكية المغربية يُمثل إنجازًا كبيرًا في مسار تكريس السيادة البحرية للمغرب. هذه الخطوة، التي تندرج ضمن تطوير قدرات البحرية الملكية وترسيم الحدود البحرية، تُعزز من قدرة المغرب على التحكم في مجاله البحري وحماية حدوده الوطنية. في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في المحيط الأطلسي، تُشكل هذه المبادرة ركيزة أساسية لبناء استراتيجية بحرية متكاملة، تُرسخ مكانة المغرب كدولة قوية وسيادية قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.