ترجمة – صلاح الوديع
نحن اليوم ملايينٌ من الصامتين، نفتقر لليقين ونحن نتوجه بتوجس نحو الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.
كل واحد منا يتملكه الشعور بالطابع الاستثنائي للحظة التي نعيش. ترامب، أوربان، إردوغان،بوتين، بريكسيت… تسائلنا وتحثنا الموجة القومية الشعبوية في أوروبا والعالم.
هناك اليوم شرخ كبير أول أصاب السد الذي يحمي نموذج حضارتنا. وهذه الانتخابات لها تأثير يتجاوز نطاق فرنسا. وليس من باب المبالغة القول بأننا نوجد اليوم عشية واحدة من التحولات التي لا رجعة فيها والتي بإمكانها تغيير مجرى التاريخ. إن التحدي الأول بين التحديات اليوم هو مستقبل “شعب الأرض” الذي يوشك، بفعل اللامسؤولية الإيكولوجية والاجتماعية لحاكميه، وبفعل الانتكاسات النفسية التي يضخمها الخوف، يوشك أن يتبنى اختيارات تتسم بخطورة متزايدة من شأنها الدفع إلى انفجار أوروبا، وعودة المنطق الاحترابي وانبثاق جيل جديد من الأنظمة الاستبدادية، وها قد بدأنا نرى أولى تجلياتها.
إن انتخاب مارين لوبين يوم الأحد القادم سوف يكون من شأنه اتساع مدى هذه الأخطار. فإذا كان التدهور قد لحقَ إلى حدٍّ كبير بالسلم وبالتوازنات الجيو-سياسية وبالتماسك الاجتماعي، فإن الحريات ستكون هي المهددة في ظل نظام استبدادي. ومع ذلك فإن التصويت ضد مارين لوبين لا يكفي. كما أن تصويتنا لفائدتكم – السيد ماكرون – مهما كانت اختياراتكم السابقة، يبدو لنا لا مفر منه في مواجهة حزب ما انفك يدعو إلى نهج سياسة معادية للأجانب ومناهضة للحريات. إلا أن هذا التصويت، والحالة هذه، يستدعي مسؤولية مشتركة.
المنطق القاتل
إن منطقنا هو منطق المواطنين العديدين، كل في مجال تواجده، أولئك الذين بادروا بلا إبطاء لكي يغيروا أنماط عيشنا، ويطوروا مبادرات متعددة، يتصرفون بروح تضامنية تجاه الأكثر هشاشة من بيننا، ويبادرون إلى توزيع أمثل للثروات، ويحمون النظم الإيكولوجية ويحدُّون من تقدم التغيرات المناخية… وهم بمبادراتهم تلك يضعون أسس المجتمع المغاير الذي نريد تركه لأبنائنا. إن خطورة الوضع تتطلب منا أن نعمل على تجميع كل تلك المبادرات ونجتهد من أجل إبرازها للعيان. علينا أن نبذل المزيد من الجهود وتوحيد الصفوف، وأن نتعلم التعاون المنتج مع المنتخبين من أجل بلورة وتنفيذ سياسات عمومية قادرة على التغيير.
أما دوركم – السيد ماكرون – فهو توفير الأجوبة على الأسئلة التالية: ما هي التزاماتكم من أجل التصدي للمنطقيْن القاهريْن في المجالين المالي والبيئي، علما بأن الحديث عنهما قد غاب نهائيا، وبشكل غريب، عن نقاشات الدور الثاني؟
البيئي أولا، حيث تتسارع ظاهرة الاحتباس الحراري وتتعدد أنواع التلوث، ويتم تدمير العديد من الأنواع النباتية والحيوانية، مما يهدد بقاء الجنس البشري على المدى القصير.
والمالي ثانيا، حيث يؤدي تفاقُمُ التفاوت في الثروة والدخل بين الفئات الأكثر غنى والأكثر فقرا، والفصلُ بين الاقتصاد الحقيقي والمضاربات المالية المقترنة بالتهرب الضريبي، يؤدي إلى إهدار فرص العمل وتدمير النظم الإيكولوجية الطبيعية وتركيز السلطة وتأجيج العنف.
تؤكد دراسة أمريكية صدرت سنة 2014 بأن أغلب الحضارات تنهار بسبب عاملَين أساسيين: استنزاف الموارد الطبيعية بسرعة أكبر من وتيرة تجددها، والتقسيم الطبقي للمجتمع ما بين نخبة ثرية محدودة وكتلة فقيرة تشكل الأغلبية.
إن السلطة المتعاظمة للمال، والنيوليبرالية، وإخضاع الاقتصاد لقرار الأوساط المالية، كلها تقودنا مباشرة إلى هذا الوضع.
تحد تاريخي
إذا لم نوفر جميعا الجواب على هذين التحديين الكبيرين، فلننتظر الأسوأ. إن العديد من الناخبين اليوم وأكثرهم من الناخبين اليساريين على وجه الخصوص، يترددون أو يرفضون التصدي للجبهة الوطنية عن طريق التصويت لفائدتكم. وهم يعتبرون أنكم تمثلون عالم المال والشركات متعددة الجنسيات والنخبة الحاكمة، أساس كل شرورنا. وحسب رأيهم، فالتصويت لفائدتكم، سوف يكون من شأنه استمرار الوضع القائم. إن الخطر كبير. وانتخاب مارين لوبين سيؤدي إلى تعميق تمزقات مجتمعاتنا ولن يسمح لنا بتوفير الأجوبة، جميعا، على التحديات التي تواجهنا.
إننا نحثكم على استحضار هذا التحدي التاريخي.
أولا من خلال التزامكم بإدماج عدد من الاختيارات في برنامجكم: يتعلق الأمر بالحد من اللامساواة وبتوزيع أفضل للثروة، وبمساعدة الأكثر هشاشة، وبحماية النظم الإيكولوجية. ثم القيام، في حال انتخابكم، بإصلاحات مؤسسية بما يسمح بمشاركة أكبر للمواطنين في وضع التشريعات، والتعاون بين منظمات المجتمع المدني والمنتخبين، وتطوير النموذج الديمقراطي لدينا، وبالعمل الممكن بين التيارات السياسية المختلفة. دون مبادرات المواطنين، دون التعبئة والمشاركة الفعالة من طرفهم، دون تقاسم المسؤولية السياسية، فلن يكون بمقدوركم التصدي للتحديات التي نواجهها.
في أوقات الأزمات والخطر، لا يمكن لرئيس حقيقي أن يكتفي بإصلاحات جزئية في نفس الإطار دون تغيير. بل عليه مسؤولية القيام بتجديد كبير وعميق.
الإمضاءات:
كلود ألفانديري، سيريل ديون، كورين ديكري، جان باتيست دوفكو، نيكولا هيلو، إدغار موران، مليكة بيرسون، باتريك فيفري، جان بيير وورمس، صباح أبو السلام.