24 ساعة – متابعة
في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها المغرب، يظل التساؤل قائما حول مدى نجاعة السياسات العمومية، وما إذا كانت تستند إلى رؤية استراتيجية واضحة أم أنها مجرد استجابات ظرفية لا تخضع لأي تقييم دقيق أو مراجعة حقيقية.
إن تعاقب الحكومات وتغير المسؤولين لا ينبغي أن يكون مبررا لانقطاع المشاريع أو تكرار الأخطاء، بل يجب أن يكون فرصة لتعزيز آليات المتابعة والتصحيح، بما يضمن استمرارية التنمية وتحقيق الأثر المطلوب.
التقييم والتقويم ليسا مجرد إجراءات شكلية، بل يمثلان حجر الزاوية في أي سياسة عمومية ناجحة. فالتقييم يسمح بقياس مدى نجاعة البرامج المعتمدة ورصد نقاط القوة والضعف، فيما يتيح التقويم إمكانية تصحيح المسارات وتكييف الاستراتيجيات وفقًا للمعطيات المتجددة.
غير أن الواقع يظهر عكس ذلك، حيث تظل العديد من المشاريع والسياسات مجرد وعود تتكرر مع كل ولاية حكومية، دون أن تخضع لمراجعة جادة أو مساءلة فعلية حول مدى تحقق أهدافها وتأثيرها على حياة المواطنين.
إن غياب آليات مؤسساتية صارمة للتقييم يؤدي إلى استمرار نفس الإشكالات دون حلول جذرية، حيث تُطلق سياسات وبرامج دون دراسة دقيقة لمدى واقعيتها أو قابليتها للتنفيذ.
ويبدو هذا الخلل جليًا في عدد من القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة والتشغيل، حيث تُعلن مبادرات كبرى في أجواء احتفالية، لكنها سرعان ما تفقد زخمها لغياب المتابعة والتقويم، مما يؤدي إلى هدر الموارد وإحباط تطلعات المواطنين.
تؤكد لمياء المازجي أن غياب المحاسبة الفعلية عن نتائج السياسات العمومية يجعل من الصعب تحديد المسؤوليات، الأمر الذي يساهم في تكرار نفس الأخطاء واستمرار الفجوات التنموية.
وإذا كان الدستور المغربي ينص على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن تفعيل هذا المبدأ يتطلب إرادة سياسية حقيقية تجعل من التقييم آلية إلزامية في كل المشاريع والبرامج الحكومية، وليس مجرد إجراء بروتوكولي لا يترتب عليه أي أثر ملموس.
ترى لمياء المازجي أن تجاوز هذا الاختلال يقتضي إدماج مؤسسات بحثية مستقلة في عمليات التقييم، واعتماد تقارير دورية تنشر بشفافية، تُمكن المواطنين والمجتمع المدني من متابعة مدى تحقيق الأهداف المسطرة.
كما أن تطوير ثقافة سياسية جديدة قائمة على المراجعة الدورية والتصحيح المستمر، بدل الاكتفاء بإطلاق الشعارات، يمكن أن يسهم في الحد من الإخفاقات المتكررة، ويدفع نحو نموذج تنموي أكثر فاعلية واستدامة.
تقول لمياء المازجي إن مستقبل المغرب التنموي لن يتحقق إلا عبر إرساء آليات تقييم وتقويم صارمة، تضمن أن السياسات العمومية ليست مجرد وعود انتخابية تنتهي بانتهاء ولاية الحكومة التي أطلقتها، بل هي التزام وطني يتطلب المتابعة المستمرة والتعديل وفق الحاجات الفعلية للمجتمع.
فإلى متى ستظل التجارب تُدار بمنطق المحاولة والخطأ، دون تقييم علمي يضمن تحقيق الأثر المطلوب؟ وهل يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون مساءلة دقيقة حول مآل السياسات العمومية وجدواها؟