أسامة بلفقير – الرباط
قرار مرتبك وغامض، وبخلفية سياسية مفضوحة، ذلك الذي أصدرته اليوم الأربعاء محكمة الاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بإلغاء اتفاقيتي الصيد البحري والفلاحة، مع الاحتفاظ بآثارها لفترة معينة حفاظًا على العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي واليقين القانوني لالتزاماته الدولية، حسب ما ورد في نص القرار القضائي.
قرار سرعان ما سارعت الرباط والاتحاد الأوروبي إلى التفاعل معه من خلال تصريح مشترك أعلن أنه سيتم اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل تأمين الإطار القانوني الذي يضمن استمرارية واستقرار العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوربي والمغرب.
المثير في هذا القرار، المحكوم بخلفيات سياسية غير خافية على أحد، هو اعترافه بجبهة “البوليساريو” كممثل لما يسمى بـ”الشعب الصحراوي”، ما يطرح علامات استفهام من حيث الشكل والمضمون. فمن حيث الشكل، تجاوزت المحكمة الأوروبية اختصاصاتها وصارت تصدر الأحكام في قضية معروضة أمام الأمم المتحدة.
فالمعروف اليوم، في المنطقة، هو أن “البوليساريو” صارمت ممثلا للتنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل والصحراء، حتى إنها دشنت منذ سنوات عدة عملية تجنيد مقاتليها من أجل الالتحاق بالجماعات المتطرفة..لكن أن تكون ممثلا شرعيا، رغم فسادها، للشعب الصحراوي، فهذا ما لا يعترف به قانون دولي، ولا تعترف بها حقائق الأرض ومعطيات الواقع.
فهل تمثل “البوليساريو” حتى صحراويي “تندوف”، حتى تضمن تمثيلية صحراويي الصحراء المغربية؟ وهل صفة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي تشمل أيضا صحراويي المعمور؟ وهل يوجد شعب يطلق عليه “الشعب الصحراوي”؟
بهذا القرار، تكون المحكمة الأوروبية قد وضعت نفسها ومنظومة الاتحاد الأوروبي في مأزق حقيقي. ذلك أن جبهة “البوليساريو” التي تدعي تمثيلية الشعب الصحراوي هي نفس الجبهة التي تواجه تمرد ساكنة المخيمات..بل هي الجبهة التي اغتنت قياداتها من بؤس الساكنة المحتجزة، عبر المتاجرة في المساعدات والإعانات، وتلك قصة للمحكمة الأوروبية كل تفاصيلها المملة والمحزنة..فعن أي شرعية تتحدثون؟
الواقع اليوم أن هذا الحكم يعبر عن صراع داخلي أوروبي-أوروبي. صراع بين دول الشتات الأوروبي، على الحدود، وبين الدول المحورية لهذا الاتحاد. ولعل أول مستهدف بهذا القرار هو إسبانيا نفسها، التي وجدت نفسها غارقة في أزمة الغاز، قبل أن يخرج عليها قرار اليوم كصفعة من إخوانها الأوروبيين.
مهما يكن، فقرار المحكمة الأوروبية بدون أثر يذكر، حتى وإن تضمن بعض “المفرقعات” التي تحتفل بها البوليساريو والجزائر، دون أن تنال من حقيقة القضية..تلك القضية التي تم افتعالها من طرف الجزائر، وأصبحت يوم أداة ابتزاز في يد الأوروبيين.