24 ساعة-متابعة
تعيش الجزائر على وقع صدمة دبلوماسية جديدة بعد التحاق المملكة المتحدة بقائمة الدول الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، فالنظام الجزائري، الذي ظل يراهن على مواقف دولية متحفظة أو معارضة للمقترح المغربي، تلقى ضربة موجعة وغير متوقعة من طرف قوة دولية كبرى لها وزن سياسي وتاريخي في ملف الصحراء المغربية.
وجاء هذا التحول في ظرفية حساسة تشهد فيها الجزائر تآكل دعمها الدولي تدريجيا، بعد سلسلة من الاعترافات بمغربية الصحراء صادرة عن دول كانت تصنف في وقت سابق ضمن حلفائها التقليديين.
في هذا السياق، قال إدريس قصوري، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، إن الموقف البريطاني القاضي بدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية شكل ضربة جد مؤلمة وقاضية للنظام الجزائري.
وأوضح قصوري في تصريح لـ”24 ساعة”، أن قوة هذا الموقف تتمثل في أن الجزائر كانت تراهن على عدم انضمام بريطانيا إلى زخم الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي، خاصة في هذا الظرف الذي تسارعت فيه الاعترافات الدولية بهذا الحل، حتى من طرف بلدان كانت تعد من الحلفاء التقليديين للجزائر، مثل كينيا وسوريا.
وأضاف المتحدث أن هذه التطورات عجلت بانفراط عقد الدائرة الدولية التي كانت تتحرك في فلك الجزائر، حيث أن الأمل الجزائري كان معقودا على أن تتفادى بريطانيا الاصطفاف ضمن كوكبة المعترفين بالحكم الذاتي، خصوصا وأنها دولة عظمى كانت لها علاقة تاريخية بملف الصحراء، وتعرف تفاصيله بشكل دقيق، فضلا عن كونها دولة ذات صوت مؤثر داخل مجلس الأمن، وعضو في مجموعة الدول السبع عالية التأثير على الساحة الدولية.
وشدد على أن ما زاد من وقع هذا الموقف البريطاني هو الصيغة التعبيرية التي جاءت دقيقة وحاسمة، حيث شددت على أن “الحكم الذاتي هو الأساس الأكثر مناسبة ومصداقية وبرغماتية للتطبيق”، وهو تعبير يحمل في طياته إغلاقا نهائيا للنقاش حول الخيارات الأخرى، ويقطع الطريق أمام المطالب الجزائرية المرتبطة بتقرير المصير أو الاستفتاء.
وتابع القصوري حديثه قائلا: “إن هذا التأكيد البريطاني اعتبر، بشكل ضمني، أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد والأوحد، مما يسقط كافة محاولات الجزائر لمواصلة ترويج مغالطات سبق للأمم المتحدة أن تجاوزتها، حين اعتبرت أن الحكم الذاتي هو الخيار الواقعي وذو المصداقية والدائم”.
كما أن استعمال بريطانيا لمفهوم “البراغماتية” في وصفها لمقترح الحكم الذاتي حسب قصوري، يحيل إلى كونه خيارا يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف المعنية، بما ينسجم مع مبادئ الأمم المتحدة في حل النزاعات، القائمة على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، والبعيدة عن مفاوضات صفرية مآلها الفشل.
وأبرز المحلل السياسي أن من نقاط قوة هذا الموقف أيضا كونه لم يقتصر على التصريح فقط، بل جرى التأكيد على ترجمته عمليا على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما يعني أن الموقف البريطاني سيصبح أساسا في العلاقات السياسية والدبلوماسية لبريطانيا مع الدول الأخرى، وخاصة في إفريقيا، ومن ضمنها جنوب إفريقيا.
وأكد أن هذه الميزات مجتمعة جعلت من وقع الموقف البريطاني ثقيلا على الجزائر، لأنه من المرجح أن يجر وراءه مواقف دولية أخرى، في سياق المسايرة، كما حصل سابقا مع الموقف الأمريكي.
ولفت قصوري، إلى أن هذا الموقف يعد “عملاقا”، وسيرفع الحرج عن العديد من الدول التي ظلت مواقفها متأرجحة، وسيسهم في دفعها تدريجيا إلى الاصطفاف لصالح المغرب، والابتعاد عن دائرة الوهم الجزائري.
وأضاف أن هذه الاعتبارات الاستراتيجية هي التي دفعت الجزائر إلى إصدار بيان يفهم منه نوع من التوجع من الموقف البريطاني، بل واستجداء للتراجع عنه، في محاولة منها لإعادة تأطير الموقف البريطاني ضمن فهم ضيق وأحادي لتقرير المصير، يقوم فقط على خيار الاستفتاء، في تجاهل تام لمقترح الحكم الذاتي.
ومن خلال هذا التأويل المغرض لمبدأ تقرير المصير، تتناسى الجزائر أنها تتوجه بالخطاب إلى دولة عظمى لها تاريخ سياسي ودبلوماسي عريق، وشاركت في صياغة واتخاذ قرارات دولية كبرى عبر مختلف القارات.
وخلص إدريس قصوري في تصريحه إلى أن بريطانيا دولة تدرك جيدا أساليب المناورة الدبلوماسية، وواكبت بلورة نماذج كثيرة من تطبيقات تقرير المصير، سواء في أوروبا أو غيرها، وتعرف تماما كيف تطور هذا المفهوم، من قوة في مطلع القرن العشرين، إلى تراجع ثم اضمحلال، ليتخذ اليوم شكلا جديدا يتجسد أساسا في الحكم الذاتي.