الرباط-عماد مجدوبي
في تطور لافت يعكس التحولات الجيوسياسية في منطقة الساحل، استقبل الملك محمد السادس يوم الاثنين المنصرم في الرباط رؤساء دبلوماسية كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر. يأتي هذا اللقاء في ظل سياق إقليمي متوتر يشهد تصاعدًا في الخلافات بين المملكة المغربية وهذه الدول الثلاث من جهة، والجزائر من جهة أخرى.
وقد سلطت وسائل الإعلام الفرنسية البارزة الضوء على اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس، مع وزراء خارجية دول تحالف دول الساحل الثلاثة في القصر الملكي بالرباط.
وأوردت صحيفة ”لوموند”، في مقال بعنوان “المغرب ومجلس الساحل يتقاربان وسط التوترات مع الجزائر”، ورد فيه أنه خلال الاجتماع، لم يقدم الوزراء الثلاثة للعاهل المغربي عرضًا حول “التقدم المؤسساتي والعملياتي” لتحالفهم الجديد الذي تأسس في شتنبر 2023 فحسب، بل أكدوا أيضًا “دعمهم الكامل” للمقترح الذي قدمته الرباط في دجنبر 2023 والمتعلق بفتح منفذ بحري لهذه الدول نحو المحيط الأطلسي.
يهدف هذا العرض المغربي، الذي يسعى إلى ربط المناطق الداخلية غير الساحلية في منطقة الساحل بالواجهة البحرية للمغرب، إلى تحقيق أهداف اقتصادية معلنة، إلا أن التوترات المتصاعدة بين الجزائر والمجالس العسكرية الحاكمة في باماكو وواغادوغو ونيامي، تضيف ”لوموند”، تضفي على هذه المبادرة بعدًا سياسيًا بارزًا.
وفي سابقة لافتة، أشارت العناصر اللغوية الصادرة عن وزارة الخارجية المغربية إلى “السياق الإقليمي المتوتر” الذي تتجلى فيه التوترات بين دول الساحل الثلاث والجزائر، بينما أكدت في الوقت نفسه على أن “علاقاتها مع المغرب محفوظة وتتطور بشكل إيجابي”. وفقا للصحيفة الفرنسية عينها
ويأتي هذا التقارب المتزايد بين المغرب ودول الساحل، بحسب ”لوموند” دائما، في وقت يشهد فيه نفوذ الجزائر تراجعًا في المنطقة. لافتة إلى أن المملكة تسعى إلى تعزيز دورها كفاعل إقليمي رئيسي من خلال بناء تحالفات إستراتيجية جديدة في منطقة الساحل، مستغلةً التوترات القائمة بين هذه الدول والجزائر.
المغرب الحكم الجديد في الساحل
على نفس المنوال، وفي مقال تحت عنوان ”المغرب يبني دبلوماسيته الساحلية في مواجهة الفراغ الذي خلفته باريس والجزائر”، سلطت “لوبوان” الضوء على الدور المتنامي للمغرب في منطقة الساحل الأفريقي، مدفوعًا بمبادرات إستراتيجية يقودها الملك محمد السادس. ففي ظل تراجع نفوذ كل من فرنسا والجزائر في المنطقة المضطربة، يبرز المغرب كلاعب براغماتي يسعى لملء الفراغ.
وتشير المجلة إلى سلسلة من الخطوات التي اتخذها المغرب لتعزيز مكانته، بدءًا من إطلاق “المبادرة الأطلسية” الطموحة لتوفير منفذ بحري لدول الساحل غير الساحلية، مرورًا بالوساطة السرية في إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين، وصولًا إلى الاستقبال الرسمي لوزراء خارجية تحالف دول الساحل في الرباط. هذه الخطوة الأخيرة تحمل رسالة واضحة: ”المغرب يضع قدمه بثبات في قلب اللعبة الساحلية”.
وتوضح “لوبوان” كيف استغل المغرب، بحذر وبراغماتية، حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتغير التحالفات، ليقدم نفسه كطرف وسيط ومسهل للحوار، بعيدًا عن منطق الهيمنة الذي اتسمت به بعض القوى التقليدية.
وقد تجلى ذلك في الدعم الكامل الذي أبدته دول الساحل لمبادرة الملك الأطلسية، والتي تعتبر بمثابة شريان حياة اقتصادي وسياسي لهذه الدول المعزولة.
كما تلفت المجلة الانتباه إلى أن المغرب نجح في تغيير قواعد اللعبة في منطقة كانت تعتبر تقليديًا تحت النفوذ الجزائري. فمن خلال دبلوماسية نشطة على أعلى المستويات، تمكن المغرب من ملء فراغ استراتيجي متزايد، وهو ما تجلى في المحافل الدولية حيث بدأت المصطلحات التي يدعو إليها المغرب تترسخ في القرارات المتعلقة بالساحل.
وتختتم “لوبوان” بالإشارة إلى أن المغرب يتحرك بحذر في منطقة لا تزال غير مستقرة، لكن رهانه على الحياد الإيجابي يمكن أن يجعله لاعبًا محوريًا ليس فقط في الساحل، بل وفي الحوار الأفريقي الأوسع. فالملك محمد السادس يسعى إلى ترسيخ هذه الاستراتيجية طويلة الأمد، مؤكدًا على دور المغرب كمصدر للحلول في منطقة تشهد إعادة تعريف لتوازنات القوى.