مصطفى المنعوعي
الغرض من هذه النقطة محاولة تشريح و تحليل الانتماءات السياسية التي يتميز بها المجتمع الصحراوي، باعتباره مجتمعا تقليديا دخلَ دواليب السياسة من عنق زجاجية نظرا للظروف التاريخية التي مرت منها المنطقة، حيث ترسخت سلطة التقليد بدل سلطة المؤسسة في فترة انتقالية – من البداوة الى التمدن- قوية على مجتمع مدفون تفكيره في نزعة قَبَلية يردد معالمها كثير من مثقفي المنطقة رغم اختلاف مشاربهم الأيديولوجية.
لقد استحكمت الوجدان الجماعي مفارقات وتناقضات داخل الوعي السياسي تثير الكثير من السخرية، حتى أصبح يفكر سياسيا بوعي قبَلي و يفكر ايدولوجيا بدون وعي سياسي، بحيث يعتنق الفاعل السياسي حزبا في أقصى اليمين، انتماءا لمؤسسة حزبية ما و نضاله كما خطابه في أقصى اليسار، انه مجتمع لا يفكر بموضوعية، يتحرك داخل الايدولوجيا و خارجها في نفس الوقت، يستفز الفاعل السياسي المحلي المؤسسة و ينتمي إليها، نخبه تتكيف بسرعة ضوئية مع هذا التناقض السياسي، ببساطة الفاعل المحلي هو ذلك الإنسان الوطني و غير الوطني في نفس اللحظة.
يخدع نفسه عندما يعرّف هويته التاريخية ثم يورّطها سياسيا، تظهر الهوية التاريخية في أبهى صورها و يظهر الفاعل في أسوأ مستوياته التدبيرية، لا يعكس حسا وطنيا لان تفكيره ممزّق بين المتناقضات، قد يبوح داخل أسرته بانتماءاته و لا انتماءاته، إنه مقتنع و غير مقتنع، ماذا يعني انتماء الفاعل للحزب، استفزازه له ؟ ماذا يعني أن تحزّب جيوش من الشباب و هم ليسوا على دراية بالمؤسسة الحزبية ؟؟
لقد أصبحت قوة الانتماء صورية و شكلية و هذا سبب من أسباب عدة متداخلة و معقدة داخل جُمجمة الفاعل لا نريد الإطالة فيها غير أنها عوامل مكّنت الفاعل من كسب مصالح ضيقة الأفق، و أتذكر في هذا الصدد قولة للمؤرخ المغاربي عبد الرحمان بن خلدون عن المجتمع البدوي – وهو المؤرخ الذي لا يصف إلا بعد مشاهدة و ملاحظة و لا يحكم إلا بعد تفكير و رويّة- اذ يقول صاحب المقدمة : عصبية البدوي أقوى من الدولة ( المؤسسة) و قوة العصبية لا تعني سوى انهيار الدولة .
لقد انهارت فعلا الدولة في مراحل تاريخية مختلفة عندما استُخدِمت العصبية و القبيلة فرسمنا خرائطنا الجغرافيا منذ المرحلة الاستعمارية وقع الشرخ أو ازداد الجرح بعدما لجأت النخبة إلى الحماية و لجأ سكان البدو الى السيبة حيث بدأ الانفصال يتعمق و يتجدد بإنتاج هويات منفصلة عن تاريخها و مرتبطة بذاتها، مفصولة عن عن مصالحها الحيوية و متصلة بمصالح ذاتية ضيقة ما لم يتحرك الضمير الجمعي بسرعة من أجل التفكير في تغيير العقليات و ليس بالضرورة في تغيير الانتماءات .