إعداد- زينب لوطفي
الرياضيون المغاربة ليسوا مجرد أبطال في ميادينهم، بل هم رموز للعزيمة والإرادة التي تعكس قيم الانضباط، الصبر، والعمل الجاد.
في رمضان، حيث تتعزز الروح الإنسانية والتضامن، نلتقي مع هؤلاء الأبطال الذين استطاعوا أن يصبحوا قدوة للأجيال الجديدة، محققين إنجازات عظيمة على المستويين الوطني والدولي.
كل حلقة من هذه السلسلة ستأخذنا في رحلة عبر مسيرة أحد الرياضيين المغاربة، نستعرض خلالها أبرز محطات حياته المهنية والشخصية، وكيف تحدى الصعاب ليصل إلى القمة. إن قصصهم تحمل في طياتها دروسًا في القوة الداخلية والتفاني في العمل، مما يجعلها مصدر إلهام لكل متابع.
انضموا إلينا في هذه الرحلة الرمضانية المميزة عبر جريدة “24 ساعة” الإلكترونية، وتعرفوا على أبطال المغرب الذين رفعوا اسم بلدهم عاليًا في مختلف المحافل الرياضية.
الحلقة الثامنة
يُعتبر هشام الكروج أحد أعظم العدائين في تاريخ ألعاب القوى، وأحد أبرز الرياضيين الذين رفعوا راية المغرب عاليا في المحافل الدولية، ترك الكروج بصمة ذهبية جعلته رمزًا رياضيًا عالميًا، بفضل أرقامه القياسية وإنجازاته غير المسبوقة في سباقات المسافات المتوسطة.
ولد هشام الكروج في 14 شتنبر 1974 بمدينة بركان، حيث ظهرت موهبته مبكرًا في سباقات الجري لينضم إلى أحد الأندية المحلية، قبل أن يُلفت أنظار المدربين بقدراته الكبيرة على التحمل والسرعة، ومع صقل موهبته، بدأ يحقق نتائج مميزة على الصعيد الوطني، مما مهد له الطريق نحو الانضمام إلى صفوف المنتخب المغربي لألعاب القوى.
في عام 1992، بدأ الكروج يشق طريقه إلى العالمية عندما شارك في بطولة العالم للشباب، حيث احتل المركز الثالث في سباق 1500 متر، وهو ما كشف عن موهبة صاعدة قادرة على مقارعة الكبار. لكن اللحظة الفاصلة في مسيرته جاءت عندما التحق بالمجموعة التدريبية للبطل المغربي السابق سعيد عويطة، الذي ساعده على تطوير تقنياته والرفع من مستواه التنافسي.
انطلقت الهيمنة الفعلية لهشام الكروج على سباقات 1500 متر منذ منتصف التسعينيات، ففي بطولة العالم لألعاب القوى عام 1995 بمدينة غوتنبرغ السويدية، تمكن من إحراز الميدالية الفضية، قبل أن يبدأ مسيرة من الإنجازات الاستثنائية.
توج الكروج بطلاً للعالم في سباق 1500 متر أربع مرات متتالية، في أعوام 1997 (أثينا)، 1999 (إشبيلية)، 2001 (إدمونتون)، و2003 (باريس)، لم يتمكن أي منافس من مجاراة سرعته التكتيكية، وقدرته الكبيرة على التحكم في السباق، خاصة في الأمتار الأخيرة.
أما على مستوى الأرقام، فقد دخل الكروج التاريخ من أوسع أبوابه عندما سجل الرقم القياسي العالمي لسباق 1500 متر عام 1998 بزمن 3:26.00 دقائق، وهو رقم لم يستطع أي عداء تحطيمه حتى اليوم، كما حقق أيضًا الرقم القياسي في سباق الميل (3:43.13 دقائق)، وسباق 2000 متر (4:44.79 دقائق)، ليصبح أحد أسرع العدائين في التاريخ.
رغم سيطرته المطلقة على سباق 1500 متر، إلا أن هشام الكروج واجه خيبات أمل في أولمبياد أتلانتا 1996 وسيدني 2000، حيث فشل في الفوز بالميدالية الذهبية، رغم كونه المرشح الأبرز، لكن عزيمته لم تهتز، وظل يعمل بجد لتحقيق حلمه الأولمبي.
جاءت لحظة المجد في أولمبياد أثينا 2004، حين كتب الكروج التاريخ بتتويجه بميداليتين ذهبيتين في سباقي 1500 متر و5000 متر، ليصبح ثاني عداء في التاريخ، بعد الفنلندي بافو نورمي عام 1924، يحقق هذا الإنجاز الفريد، كان ذلك التتويج بمثابة تتويج لمسيرة رياضية استثنائية استمرت لأكثر من عقد من الزمن.
بعد إنجازاته الأولمبية، قرر هشام الكروج الاعتزال عام 2006، وهو في قمة عطائه، ليظل اسمه محفورًا كأحد أعظم العدائين في التاريخ.
تم تكريمه بالعديد من الجوائز، أبرزها جائزة أفضل رياضي في العالم لعام 2001 من الاتحاد الدولي لألعاب القوى، ووسام العرش من الملك محمد السادس، كما تم إدراجه في قاعة مشاهير الاتحاد الدولي لألعاب القوى، تقديرًا لمسيرته الأسطورية.
سيبقى هشام الكروج رمزًا خالداً في تاريخ ألعاب القوى المغربية، بعدما نجح في وضع المغرب ضمن مصاف الدول الرائدة في هذا المجال بفضل إنجازاته الاستثنائية.