إعداد-زينب لوطفي
الرياضيون المغاربة ليسوا مجرد أبطال في ميادينهم، بل هم رموز للعزيمة والإرادة التي تعكس قيم الانضباط، الصبر، والعمل الجاد.
في رمضان، حيث تتعزز الروح الإنسانية والتضامن، نلتقي مع هؤلاء الأبطال الذين استطاعوا أن يصبحوا قدوة للأجيال الجديدة، محققين إنجازات عظيمة على المستويين الوطني والدولي.
كل حلقة من هذه السلسلة ستأخذنا في رحلة عبر مسيرة أحد الرياضيين المغاربة، نستعرض خلالها أبرز محطات حياته المهنية والشخصية، وكيف تحدى الصعاب ليصل إلى القمة.
إن قصصهم تحمل في طياتها دروسًا في القوة الداخلية والتفاني في العمل، مما يجعلها مصدر إلهام لكل متابع.
انضموا إلينا في هذه الرحلة الرمضانية المميزة عبر جريدة “24 ساعة” الإلكترونية، وتعرفوا على أبطال المغرب الذين رفعوا اسم بلدهم عاليًا في مختلف المحافل الرياضية.
الحلقة الثانية عشر
في عالم كرة القدم داخل القاعة، لا يمكن الحديث عن نجاحات المغرب دون ذكر اسم هشام الدكيك، الرجل الذي حول هذا النوع الرياضي من لعبة مغمورة إلى قوة قارية وعالمية، ابن مدينة القنيطرة لم يكن مجرد مدرب، بل كان صاحب مشروع متكامل، واجه في بداياته الإهمال والتهميش، قبل أن يصبح اليوم رمزا للتطور والنجاح في كرة القدم داخل القاعة.
ولد هشام الدكيك وترعرع في الأحياء الشعبية لمدينة القنيطرة، حيث بدأ مسيرته كلاعب ضمن الفئات الصغرى للنادي المحلي، ومع الوقت، انجذب أكثر إلى كرة القدم المصغرة، التي كانت آنذاك رياضة غير معترف بها بالشكل الكافي. لعب لفريق أجاكس القنيطري، الذي كان يرأسه محمد الجامعي، أحد رواد كرة القدم داخل القاعة في المغرب، وهناك بدأ شغفه بهذه الرياضة يتزايد، حيث تولى تدريب الفريق إلى جانب كونه لاعبا، في تجربة صقلت مهاراته التدريبية وألهمته للمستقبل.
لكن بداياته كمدرب لم تكن سهلة، فقد قوبلت أفكاره بالتجاهل وعدم الاهتمام من قبل مسؤولي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، كان يقضي ساعات طويلة في مكاتب الجامعة محاولا إقناعهم بأهمية تطوير كرة القدم داخل القاعة، لكنه غالبا ما كان يعود بخفي حنين. البعض رأى أنه مجرد حالم، وآخرون اعتبروا أن اللعبة لا تستحق كل هذا العناء، لكن الدكيك لم يكن من النوع الذي يستسلم.
في عام 2010، تولى الدكيك قيادة المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة، وهي لحظة حاسمة في مسيرته، رغم ضعف الإمكانيات حينها، بدأ في العمل على بناء فريق تنافسي، واضعا نصب عينيه هدف جعل المغرب قوة في هذا النوع الرياضي.
استمرت المعاناة، ولكن عام 2013 كان نقطة التحول الكبرى، عندما تولى فوزي لقجع رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ليبدأ الدعم الرسمي لكرة القدم داخل القاعة، حصل الدكيك أخيرا على الثقة والإمكانيات لتطبيق مشروعه، وبدأ المنتخب المغربي في التحول التدريجي إلى فريق قوي قادر على المنافسة على الألقاب.
في عام 2016، جاءت اللحظة التي انتظرها الدكيك طويلا، عندما قاد المنتخب المغربي للفوز بكأس إفريقيا للأمم لأول مرة في تاريخه بجنوب إفريقيا، متغلبا على منتخب مصر في النهائي بنتيجة 3-2. هذا الإنجاز منح المغرب بطاقة التأهل إلى كأس العالم 2016 بكولومبيا، وهي أول مشاركة مونديالية تحت قيادته، ورغم الإقصاء المبكر، إلا أن التجربة كانت حجر الأساس لبناء فريق أكثر قوة.
واصل الدكيك عمله على تطوير المنتخب، وفي 2020، نجح في التتويج مجددا بلقب كأس إفريقيا للأمم، ولكن هذه المرة بطريقة استثنائية بعد اكتساح مصر في النهائي 5-0، ليبرهن على أن المغرب بات القوة الأولى في القارة، كما ضمن التأهل إلى مونديال ليتوانيا 2021، حيث كتب أسود القاعة التاريخ ببلوغهم ربع النهائي بعد فوزهم على فنزويلا، قبل أن يخسروا بصعوبة أمام البرازيل بهدف نظيف، في أداء مشرف وضع المغرب بين كبار العالم.
لم تتوقف إنجازات الدكيك عند حدود القارة الإفريقية، بل امتدت إلى البطولات العربية والدولية، حيث قاد المنتخب المغربي للتتويج بـكأس العرب مرتين (2021 في مصر و2022 في السعودية)، بالإضافة إلى تحقيق لقب كأس القارات 2022 بعد التغلب على إيران، أحد كبار اللعبة عالميا.
في عام 2024، واصل هشام الدكيك مسيرته الناجحة مع المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة محققا إنجازات بارزة على الصعيدين القاري والدولي. فقد قاد المنتخب الوطني للفوز ببطولة كأس إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للمرة الثالثة على التوالي، مؤكدا هيمنة المغرب على هذه الرياضة في القارة السمراء، كما تمكن المنتخب تحت إشرافه من التأهل إلى ربع نهائي كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة 2024.
إلى جانب إنجازاته مع المنتخب، يعتبر الدكيك أحد رواد تكوين المدربين، حيث يعمل كمؤطر وخبير معتمد لدى الفيفا، مسهما في تطوير العديد من الأطر الوطنية التي أصبحت تعمل في الأندية والمنتخبات، مما يعزز استدامة نجاح كرة القدم داخل القاعة في المغرب.
مسيرة هشام الدكيك هي نموذج للإصرار والشغف، فقد بدأ من العدم، وواجه الصعوبات والتجاهل، لكنه لم يتوقف عن الحلم والعمل حتى صنع تاريخا جديدا لكرة القدم داخل القاعة في المغرب. اليوم، يقف المغرب بين أقوى 10 منتخبات عالميا، وهذا لم يكن ليتحقق لولا إيمان الدكيك بمشروعه، وإصراره على تحقيقه، ليصبح اسمه مرتبطًا بكل إنجاز حققته كرة القدم داخل القاعة المغربية.