الرباط-عماد المجدوبي
تعد المبادرات الملكية، التي تتجسد بوضوح في عمل مؤسسة محمد الخامس للتضامن، رافعة أساسية لتعزيز الجهود في مجالات حيوية مثل الصحة، الإعاقة، والتكوين المهني.
ولكن، هل تعكس المبادرة الأخيرة التي أطلقتها المؤسسة، بتعليمات ملكية سامية، بوضع المراكز التي أنشأتها في مجالات الصحة والإعاقة والتكوين رهن إشارة الساكنة المعوزة المستفيدة، أحد تمظهرات الفشل الحكومي في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية؟ هذا التساؤل يفرض نفسه بقوة في ظل الواقع الاجتماعي الحالي وتعالي الأصوات المنتقدة.
تؤكد التوجيهات الملكية بوضع 13 مركزاً جديداً في الخدمة، بما في ذلك مراكز طبية للقرب، وفروع للمركز الوطني محمد السادس للمعاقين، ومراكز لمكافحة الإدمان، ومؤسسات للتكوين المهني، الرؤية الاستباقية في معالجة الاحتياجات الاجتماعية الملحة.
وتعد هذه المشاريع، باستثمارات مالية مهمة، إضافة نوعية للبنية التحتية الاجتماعية للمملكة، وتُعزز من قدرة الدولة على توفير خدمات شاملة ومتاحة للجميع. لكن السؤال الذي يطرحه الشارع المغربي: لماذا تتدخل المؤسسة الملكية بهذا الحجم إذا كانت الآليات الحكومية تعمل بفعالية كافية وتستطيع تحقيق هذه الأهداف بمفردها؟
تبرز المراكز الطبية للقرب، كمشروع رائد يُحدث تحولاً كبيراً في المشهد الصحي بالمغرب. فمركز سلا الجديد، باستثماره الذي يتجاوز 85 مليون درهم، يُساهم في توسيع شبكة الخدمات الصحية المتاحة، ليُخفف الضغط على المستشفيات الكبرى ويُقرّب العلاج من الساكنة.
يُعزز التوجه نحو طب القرب مبدأ العدالة الاجتماعية في الحصول على الرعاية الصحية، في ظل فشل ذريع لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية في توفير ذلك بشكل مستقل ومؤثر يغطي كافة الاحتياجات.
ويثير الاعتماد المتزايد على المبادرات الملكية لسد الثغرات في الخدمات الصحية الأساسية شكوكاً جدية حول قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاه صحة المواطنين.
في مجال الإعاقة، يُشكل افتتاح فرع جهوي جديد للمركز الوطني محمد السادس للمعاقين ببني ملال خطوة مهمة نحو تعزيز التكفل بهذه الفئة من المواطنين. هذا المركز، بالإضافة إلى المراكز التسعة المنتشرة في المملكة، يُقدم خدمات متخصصة تسهم في تحسين جودة حياة الأشخاص في وضعية إعاقة وإدماجهم في المجتمع.
كما أن مراكز تصفية الدم، مثل مركز العروي، ومراكز مكافحة الإدمان في شفشاون، الحسيمة، وبني ملال، تُكمل جهود الدولة في توفير رعاية صحية متكاملة ومتخصصة للتحديات الصحية المعاصرة، وهو ما يُثير التساؤل بقوة حول مدى فعالية الجهود الحكومية في هذه المجالات دون الدعم الملكي المباشر الذي يبدو أنه بات ضرورة لا خيار.
وتُقدم مراكز التكوين المهني الستة الجديدة، المنتشرة في مدن مختلفة وتُغطي قطاعات واعدة كالصناعات المعدنية، الفلاحة، الكهرباء، الإلكترونيات، المهن الثالثية، السياحة، والصناعة التقليدية، نموذجاً حياً للاستثمار في الرأسمال البشري.
تهدف المراكز، إلى تزويد الشباب من الأوساط المعوزة بالمهارات والكفاءات التي تُلبي احتياجات سوق الشغل، وبالتالي تعزيز فرصهم في الإدماج المهني والاجتماعي. لكن التساؤل يظل قائماً حول مدى كفاية استراتيجيات الحكومة في توفير هذا النوع من التكوين الشامل بمعزل عن المبادرات الملكية التي أصبحت بمثابة صمام أمان لتدبير العجز الحكومي في مجالات حيوية.
لقد سبق لفعاليات حقوقية ومدنية، أن وجهت انتقادات حادة لسياسة الحكومة في تدبير الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، مسجلاً عدة اختلالات وصعوبات تعرقل نجاح هذا المشروع الاستراتيجي. من جهتها، وجهت المعارضة انتقادات حادة تجاه تدبير الحكومة لورش الحماية الاجتماعية، معتبرة أن “الإرادة الملكية واضحة وجريئة، لكن الشعارات الحكومية الاستهلاكية لم تُترجم إلى واقع فعلي”.
وقد قدم برلمانيون من المعارضة، أرقامًا تُشير إلى أن 8.5 ملايين مغربي لا يزالون بدون تغطية صحية، وتحدث عن 3.5 ملايين شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة خارج الجامعة والتكوين المهني. كما تساءلت المعارضة عن كيفية تمويل استدامة الورش في ظل ضعف المساهمات وتوسع القطاع غير المهيكل.
هذه الانتقادات الصريحة، الصادرة عن جهات رقابية وسياسية، تُعزز من الرأي القائل بأن التدخل الملكي المباشر، وإن كان ضرورياً وملحاً لضمان استمرارية الخدمات، أصبح في حقيقته مؤشراً صارخاً على وجود قصور وضعف في الأداء الحكومي بورش الحماية الاجتماعية، وتراجع لدور الدولة الاجتماعي أمام تفاقم التحديات.