“شبكات التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام في العالم العربي” موضوع كتاب جماعي، اغنى مجال القراءة والتحليل النقدي لمدى تأثير مختلف وسائط ومواقع التواصل الاجتماعي في توجيه وصناعة رأي المجتمع حول العديد من القضايا والظواهر المعيشة، وصدر الكتاب نهاية الأسبوع المنصرم عن درا روافد للنشر والتوزيع بالقاهرة، بشراكة مع مجلة باحثون للعلوم الاجتماعية والإنسانية بالمغرب.
صورة غلاف الكتاب
وقدم هذا المنتوج في 300 صفحة من الحجم المتوسط، ويعنى بدراسة وتشريح شبكات التواصل الاجتماعي ومدى تأثيرها في صناعة الرأي العام بالعالم العربي.
وعن أهمية الكتاب في الزمن الذي رافق وعقب الربيع العربي، يقول البروفسور عياد أبلال مدير نشر المجلة، والذي نسق أعمال الكتاب وقدم له، بأن هذا المنتوج، الذي يعد تدشينا لسلسة من الإصدارات الجماعية التي تبتغي خلق ورش بحثي وفكري أكاديمي في قضايا تهم العالم العربي على كافة المستويات، خاصة التي تتخذ من التحديات المفروضة عليه في سياق العولمة، وتحولات القيم والحركات الاجتماعية والسياسية والثقافية، في أفق رصد ممكنات الانتقال بهذا العالم الثالثي إلى آفاق واعدة، وهو الشيء الذي لا يمكن ولوجه إلا عبر ما هو فكري وثقافي.
أبلال يؤكد أن أي تنمية ممكنة ، لن تتم إلا عبر التنمية الثقافية في بعدها الأنثربولوجي الشامل، ولذلك، فهذه السلسلة من الإصدارات، والتي بدأت بشبكات التواصل الاجتماعي لما لها من أهمية قصوى في صناعة الرأي العام، والمساهمة الفعلية في مشمول التحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تعرفها بلداننا، تبتغي عبر اصدار ثان مساءلة واقع وأفاق الحداثة والتنوير، عبر رصد تاريخية المفهوم ومعيقات التقدم والتطور والتحديث، عبر مساءلة الدين والسياسة عبر خريطة العالم العربي، من هنا يضيف أبلال، فرصد واقع التحولات التي عرفها هذا الجزء من العالم، تم عبر الكتاب الأول عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
واستهلالباحث الانثربولوجي عياد ابلال تقديم الكتاب بمقدمة فصلت في كرونولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي، حيث شكلت الأخيرة منذ مطلع الألفية الثالثة، أحد أهم الوسائط الاجتماعية للتواصل ذات الاستقطاب الجماهيري المفتوح، وباتت صناعة القرارات السياسة والاجتماعية وحتى الاقتصادية تعتمد بشكل كبير على ما يروج عبر هذه الشبكات، لتتحول بالتالي من مجرد وسيط تواصلي افتراضي إلى شبكات معقدة بامتياز، عملت على محو الفواصل والحواجز بين الدول والشعوب بشكل غير مسبوق، مما جعلها بحق أحد آليات تكريس العولمة، التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، خاصة_حسب مقدمة الكتاب_ بعد أن انتقلت هذه الشبكات إلى وسيط للإخبار وتداول المعلومة، مما جعل الإعلام ينتقل من البعد المؤسسي إلى البعد الشعبي والجماهيري، وتحول من ثم كل مبحر افتراضي في الشبكة العنكبوتية إلى صحفي وإعلامي يشارك بشكل أو بآخر في الصناعة الإعلامية نقداً وتحليلاً، إنتاجا للمعلومة واستهلاكا لها في الآن نفسه، بعد أن تحولت هذه الشبكات بدورها إلى وسائط لنشر المعلومة وتداولها.
في نفس السياق، بدت صناعة الرأي_ حسب مقدمة الكتاب_ مرتبطة بشكل كبير بهذه الشبكات التي وجدت في تعطش الشباب، وكافة الفئات المحرومة في العالم العربي من التعبير والمشاركة السياسة والاجتماعية، للديموقراطية وحقوق الإنسان، بشكل أصبحت معه هذه الوسائط مؤسسات افتراضية انصهرت فيها كافة السلط المؤسسة للاجتماع والعمران البشريين. وهكذا بتنا نشهد انتقادات لأحكام قضائية، ورفض أخرى، مطالبات بفتح تحقيقات قضائية، نقد مراسيم ونصوص تشريعية، انتقاد السلطوية والاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي. مما جعل هذه الشبكات تتحول إلى منصات لتوجيه النقد والاحتجاج إلى مختلف السلط: القضائية، التشريعية، والتنفيدية… وهو ما يمكن أن نستدل عليه بما يروج على صفحات الفايس بوك والتويتر، أو عبر الواتساب كناقل للمعلومة صورة وصوتاً، بشكل يجعلنا نشهد ميلاد سلطة تفكيكية تعتمد الهدم والبناء، للثقافة، والفن، والسياسة، والدين… ولكافة مجالات الحياة اليومية.
وتطرق الكتاب أيضا إلى أن استيعاب سلطة شبكات التواصل الاجتماعي لا ينفصل حتماً في المنطقة العربية عن استحضار الربيع العربي، وكيف خرجت الجماهير الشعبية في مختلف الثورات من جوف هذه الشبكات التي جعلت الفواصل بين الافتراضي والواقعي مجرد خيط رفيع نسج من إرادة الشعوب ومستوى وعي الجماهير درجة سمكه ومتانته. ذلك أن التحولات الاجتماعية والسياسية الراهنة والمقبلة باتت تتشكل عبر الفايسبوك والتويتر وانستغرام…، وبات السلوك الاحتجاجي نتاج وثمرة هذا العقل الأداتي بتعبير هابرماس.
وطرح كتاب ” شبكات التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام في العالم العربي ” عدد من الإسئلة لتحليل الظاهرة وتفصيل الموضوع الأساسي عبر طرح إشكاليات تجر القترئ إلى التفاعل التحليلي البحثي، من قبيل:
إلى أي حد يمكن اعتبار هذه المواقع وأخرى من ضمن شبكات التواصل الاجتماعي محللا سوسيولوجياً لما يحدث في المنطقة العربية، وفي العالم بشكل عام.؟
وكيف باتت هذه الشبكات تلعب دورا محوريا في صناعة الرأي العام وتوجيه النخب والجماهير نحو الفعل الاجتماعي والسياسي في سياق تجديد البراديغمات المؤسسة للاجتماع والإجماع.؟ وما طبيعة هذا الرأي العام؟ وكيف يشتغل تفكيكيا على المستوى القيمي، بشكل يجعل هذه الشبكات أحياناً (فايسبوك، واتساب…) آلية من آليات التشهير بالحياة الخاصة ونشر الضغينة والانتقام؟
وما أهم ملامح وخصوصيات أنماط الهوية الجديدة التي تعمل هذه الشبكات على بلورتها وصياغتها في صفوف شعوب العالم العربي؟.أسئلة وأخرى، ستحاول مساهمات عدد من الباحثين والباحثات الإجابة عليها في هذا الكتاب، الذي اعتبره ناشروه محاولة أولى، لا محالة ستأتي بعدها محاولات أخرى، في أفق تأسيس قاعدة معرفية لدراسة العالم الرقمي الذي بات يفرض علينا عربياً واقعاً جديداً، يقتضي ضمن تجلياته هوية عربية منكسرة في سياق الهوة الرقمية والحضارية التي تفصلنا عن الغرب، والتي باتت تحتم علينا الاستفادة من ثمار الحداثة، دون الانزلاق في أزمة الهويات القاتلة بتعيبر أمين معلوف، والاستلاب الثقافي بتعبير ماركس.