زينب البحراني- السعودية
بنيت هندسة الحياة البشرية على الأرض وفق مقاييس كونية دقيقة، وأي محاولة لكسر تلك القوانين أو الإخلال بها تؤدي إلى عواقب وخيمة سواء جاءت تلك العواقب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن أهم تلك القوانين قانون “المصالح المتبادلة” أو”العطاء المتبادل”، وهو قانون يتفق مع قانون نيوتن الثالث الذي ينص على أن: “لكل قوة فعل قوة رد فعل مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه، تعملان على نفس الخط وتؤثران في جسمين مختلفين”، ويتفق مع قانون دورة الطبيعة الذي يصف العلاقة التبادلية بين الإنسان والحيوان والنبات في كل مكان وزمان، فكائنات الطبيعة كلها تؤدي دورها في الأخذ والعطاء بقصد أو بغير قصد لتفيد الآخر وتستفيد منه دون أنانية أو احتكار فردي للخيرات على وجه الأرض.
جهل الإنسان بفلسفة هذا القانون الكوني العظيم يصور له أن من حقه الحصول على بعض ما يملكه الآخرون دون ثمن، بل وبعضهم يظن أن من حقه الحصول على كل ما يملكه الآخر من معلومات وخدمات وجهود وأوقات دون مقابل عاجل أو آجل رغم قدرتهم على بذله، وفي ذلك صورة من صور الأنانية أحيانا، وصورة من صور السذاجة وعدم الوعي في أحيان أخرى، لأن عدم إدراك الشخص ضرورة دفع ثمن ما يأخذه بطريقة أو بأخرى يجعله أمام إحدى نتيجتين: إما عدم الحصول عليه، أو دفع ثمن إجباري مضاعف في المستقبل لأشياء أقل شأنا منه، فالكون شديد الدقة في موازينه، ولا يسمح بالعبث أو التلاعب العشوائي بممتلكاته، فكي تأخذ يجب أن تعطي، وإذا احتجت إلى مساعدة أو خدمة من أي انسان فعليك أن تدفع له بالمقابل أجرًا أو هدية لائقة أو خدمة مستقبلية موازية لما ستحصل عليه، لا أن تصدّر أوامرك للآخرين و”تعيش على قفاهم” ظنا منك أن تقديمهم ما يملكون لك واجبًا عليهم مادمت لا تملك مثله، إذ لا بد أنك بالمقابل تملك شيئا لا يملكون مثله يمكنك تقديمه كعربون تقدير ووفاء لما قدموه لك.
بعضهم يطلب منك خدمة معقدة، وتجد نفسك مضطرًا لبذل جهد كبير ووقت طويل كي تحققها له على أمل نيل الثواب من ربك ومصادفة من ينتشلك من أحد ظروفك المستقبلية الصعبة إيمانا منك أن الخير يعود بطريقة أو بأخرى لصاحبه، فتصدم بأن طالب تلك الخدمة يتصرف معك وكأنك عبد من عبيده أو موظف تعمل عنده مجانا! يطاردك كل يوم بأسئلته، وينهرك لأن طلبه تأخر لظروف قاهرة خارجة عن إرادتك، ويوبخك إذا جاء طلبه – الذي لم يبذل فيه جهدًا- ناقصا رغما عنك بدل أن يقابلك بالشكر والتقدير والامتنان على ما فعلته لأجله، ثم يشعر بالدهشة وينعتك بأبشع النعوت إذا أوصدت أبواب العلاقة بينك وبينه بالتدريج كي تنجو بنفسك من محاولاته الوقحة لاستغلال طيبتك ونهب جهودك مجانا! جاهلاً أو متجاهلاً أن من أبسط قواعد التعامل مع مواقف الاحتياج للآخرين تقديم الطلب بلباقة وأدب، والحرص على أن تكون المصلحة متبادلة بدفع أجر الخدمة أو تقديم خدمة مستقبلية مقابلة كي يشجعه ذلك على مساعدتك مرات قادمة، وإن لم يكن ذلك فليس أقل من تقدير جهوده بكلمات طيبة لطيفة تنم عن امتنان صادق على أمل أن يعود الخير له مضاعفا من مكان آخر.