24 ساعة-متابعة
شكلت أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية نقطة تحول مفصلية في تاريخ المغرب الحديث، ليس فقط لما خلفته من فاجعة أليمة، بل أيضا لما أفرزته من يقظة أمنية واستراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب.
لقد كان ذلك اليوم بمثابة امتحان حقيقي لقدرة الدولة على مواجهة هذا الخطر الداهم، وامتحان اجتازه المغرب، وإن بدفع ثمن باهظ، ليخرج منه أكثر صلابة وخبرة في هذا المجال المعقد.
لم يكن الأمن المغربي قبل 2003 غائبا عن المشهد، لكن طبيعة التهديدات آنذاك كانت مختلفة، لقد كانت أحداث الدار البيضاء بمثابة صدمة أيقظت الجميع على حقيقة أن الإرهاب يمكن أن يضرب في العمق، وأن الأساليب التقليدية في التعامل مع الجريمة لم تعد كافية.
بعد تلك الأحداث المروعة، انطلقت ورش شامل لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية وتحديثها. تجلى ذلك في تعزيز القدرات الاستخباراتية، وتطوير آليات التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية، وتوفير التجهيزات التقنية المتطورة وخلف فرق متخصصة، وسن قوانين أكثر صرامة لمكافحة الإرهاب وتمويله. ولم يقتصر الأمر على الجانب الأمني البحت، بل امتد
ليشمل إصلاحات في المجال الديني والاجتماعي والتعليمي، بهدف تجفيف منابع التطرف والغلو.
اليوم، وبعد 22 سنة، يمكن القول بثقة إن المغرب يمتلك خبرة متراكمة ومشهود لها في مجال مكافحة الإرهاب. هذه الخبرة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج عمل دؤوب وتضحيات جسيمة، وتعاون دولي مثمر.
لقد استطاع المغرب تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، وإحباط مخططات إجرامية قبل تنفيذها، وأصبح نموذجاً إقليمياً ودولياً في هذا المجال، ومرجعا أساسيا تطرق بابه العديد من الدول لمساعدتها في مواجهة الخطر الإرهابي.
لم تقتصر خبرة الأمن المغربي المتراكمة بعد أحداث 16 ماي على حماية التراب الوطني فحسب، بل تجاوزت الحدود لتساهم بشكل فعال في أمن واستقرار عدد من الدول الشقيقة والصديقة. فمن خلال التعاون الأمني والاستخباراتي الوثيق، استطاع المغرب أن يقدم معلومات دقيقة وقيمة ساهمت في إحباط العديد من المخططات الإرهابية التي كانت تستهدف دولاً أخرى.
إن الثقة التي يحظى بها المغرب على الصعيد الدولي في مجال مكافحة الإرهاب لم تأتِ من فراغ. فهي نتاج سنوات من العمل الجاد والاحترافية العالية التي أظهرتها الأجهزة الأمنية المغربية في التعامل مع مختلف أشكال التهديدات الإرهابية. وقد تجلى هذا التعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة، وتقديم الخبرات في مجال تفكيك الخلايا الإرهابية، وتطوير استراتيجيات مكافحة التطرف العنيف.
لقد أثبت المغرب مراراً وتكراراً أنه شريك موثوق به في الحرب العالمية ضد الإرهاب. فبفضل احترافيته، تمكن من تزويد العديد من الدول بمعلومات حاسمة ساهمت في إنقاذ أرواح ومنع وقوع هجمات إرهابية محتملة. وتشمل هذه المساهمات مجالات متنوعة، بدءاً من تتبع تحركات العناصر المتطرفة، وصولاً إلى الكشف عن مصادر تمويل الإرهاب وتحديد هويات المشتبه بهم.
إن هذه المساهمات الفعالة تعكس ليس فقط الخبرة الأمنية العالية التي اكتسبها المغرب، بل أيضاً إدراكه العميق بأن خطر الإرهاب عابر للحدود ويتطلب تضافر الجهود الدولية لمواجهته. فالمغرب، انطلاقاً من تجربته المريرة في 2003، يؤمن بأن الأمن الإقليمي والدولي هو مسؤولية مشتركة، وأن تبادل الخبرات والمعلومات هو مفتاح النجاح في هذه المعركة المستمرة ضد قوى الشر والتطرف.
لكن هذا لا يعني أن المعركة قد انتهت. فالتهديدات الإرهابية لا تزال قائمة وتتطور باستمرار، وتستغل التكنولوجيا الحديثة والفضاءات الافتراضية لتجنيد عناصر جديدة ونشر أيديولوجياتها المتطرفة..وكلما تطورت هذه التنظيمات، كلما كانت لها أجهزتنا الأمنية بالمرصاد..فالطمأنينة التي ينام على وقعها المواطن المغربي لم تأت من فراغ، بل بفضل الثقة الكاملة بأن لهذا الوطن ورجال في خدمته بعيون لا تنام.
وفي ذكرى الأحداث الأليمة، نستحضر أرواح الضحايا، ونشيد بجهود الأجهزة الأمنية الساهرة على حماية الوطن والمواطنين، كما نؤكد على أن الوحدة الوطنية والتضامن المجتمعي هما السلاح الأمضى في مواجهة قوى الظلام والتطرف. لقد كان 16 ماي اختباراً قاسياً، لكنه كان أيضاً درساً بليغاً، ومحفزاً قوياً لبناء مغرب أكثر أماناً واستقراراً.