24 ساعة ـ عبد الرحيم زياد
بدأت أمس الأحد 15 يونيو الجاري، بمحكمة الجنايات في الدار البيضاء بالعاصمة الجزائر، جلسات محاكمة ستة متهمين في واحدة من أخطر قضايا تهريب المخدرات التي هزّت البلاد خلال العقد الأخير. وتُعرف هذه القضية إعلاميا بـ”قضية البوشي”، نسبة إلى المتهم الرئيسي فيها، كمال شيخي، رجل الأعمال البارز في قطاعي العقار واستيراد اللحوم، وفقا لما أوردته صحيفة “لوموند” الفرنسية.
تفاصيل الشحنة التي كشفت المستور
كشفت الصحيفة الفرنسية، أن وقائع القضية تعود إلى عام 2018، عندما تم ضبط شحنة ضخمة من الكوكايين بلغت 701 كيلوغرام، كانت مخبأة بإحكام داخل حاوية لحوم مجمدة على متن سفينة شحن قادمة من البرازيل ومتجهة إلى ميناء وهران.
وفي 29 ماي 2018، اعترضت قوات حرس السواحل والجمارك الجزائرية السفينة التجارية “Vega Mercury” قبيل وصولها إلى الميناء. كما أظهرت عمليات التفتيش الدقيقة وجود الكمية غير المسبوقة من الكوكايين، والتي تُعد الأكبر في تاريخ الجزائر.
وأضافت لوموند أن التحقيقات الأولية، عن تورط كمال شيخي، الذي كان قد وسع نشاطاته من مجال العقارات إلى استيراد اللحوم، وهو ما سهل له تمرير الشحنة تحت غطاء تجاري شرعي. ولم تقتصر القضية على التهريب الدولي فحسب، بل سرعان ما تحولت إلى فضيحة سياسية مدوية، بعد أن ذكرت أسماء نافذة في جهاز الدولة.
الفساد يتغلغل في أعلى هرم السلطة
أوردت الصحيفة أن من أبرز الأسماء التي وردت في القضية عبد الغني هامل، المدير العام السابق للأمن الوطني، الذي كان ينظر إليه آنذاك كأحد أبرز المرشحين لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في ظل تدهور حالته الصحية.
وقد أدت إحالة هامل على التحقيق ثم سجنه إلى فتح الباب أمام سلسلة من المحاكمات لقادة أمنيين ومسؤولين كبار، وسط اتهامات بتوفير الحماية لشبكات تهريب المخدرات مقابل امتيازات مادية وسياسية.
وشكلت “قضية البوشي” رمزا صارخا لمدى تغلغل الفساد والتهريب في مفاصل الدولة الجزائرية، وكشفت عن شبكة علاقات متشعبة وصلت إلى أعلى هرم السلطة.
جدل مستمر وتطلعات شعبية
أبرزت الصحيفة أنه وعلى الرغم من مرور سبع سنوات على انطلاق القضية، لم تنطفئ نار الجدل الشعبي والإعلامي حولها. يرى كثيرون أن هناك تأخيرا متعمدا في تفعيل المساءلة القانونية ضد المتورطين الكبار، مما أثار تساؤلات حول شفافية الإجراءات القضائية.
واليوم، مع انطلاق المحاكمة رسميا، يترقب الجزائريون بشغف ما إذا كانت هذه الخطوة ستشكل قطيعة مع ممارسات الإفلات من العقاب، أم ستبقى مجرد محاكمة لبيادق دون المساس بالرؤوس الحقيقية المدبرة.
وأكدت “لوموند” أن مراقبون يرون أن قضية “البوشي” كشفت عن حجم الصراع الخفي داخل أجهزة السلطة الجزائرية، حيث تم استغلالها لتصفية حسابات سياسية بين أجنحة النظام.
في المقابل، يرى آخرون أن القضية كانت مجرد قمة جبل الجليد في منظومة متكاملة من الفساد، تُدار بواجهات اقتصادية تغطي على أنشطة غير قانونية واسعة النطاق.