أسامة بلفقير – الرباط
ليست هذه المرة الأولى التي تتوتر فيها العلاقة بين السياسي والتكنوقراطية. فتمة مناسبات اشتعلت فيها الأجواء، وعشنا حرب تصريحات بسبب الخلاف حول بعض الملفات. ويكفي مثلا أن نذكر بما وقع في بداية حكومة عبد الإله بنكيران، بشأن خلاف الوزير السابق محمد نجيب بوليف، مع المندوب السامي للتخطيط.
لقد حاول الرجل القادم إلى وزارة الشؤون العامة والحكامة أن يحول المندوبية السامية للتخطيط إلى مجرد مديرية مختصة في الإحصاء، والسبب هو أن الرجل كان ينظر إلى بعض التقارير التي تصدرها هذه المؤسسة المستقلة بأنها كانت تحمل “رسائل سياسية”. بل إن بوليف لم يتردد في توجيه الاتهامات إلى المؤسسة بشكل صريح وعلني.
مثل هذه التوترات ستختفي وتظهر، إلى أن تفجرت قبل أيام قضية تصريحات والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، المعروف بعفويته وطلاقته في التفاعل مع عدد من الملفات والقضايا الكبرى للوطن، حتى إن لم يتردد قط في إطلاق تصريحات وتوقعات كانت دائما تثير غضب الفاعل الحكومي.
لكن الرجل هذه المرة يواجه بغضب حزبي كبير، والسبب هو أن الجواري أشار إلى أمور معلومة ومعروفة لدى الرأي العام: غياب الثقة في الأحزاب السياسية. هل كذب الجواهري؟ لا، بل إن الرجل أشار إلى عمق الإشكال الذي يعرقل اليوم التنمية في البلاد. ففي الوقت الذي تبذل المؤسسة الملكية مجهودا كبيرا للدفع بالبلاد نحو مصاف الدول المتقدمة، تعجز الأحزاب عن مواكبة هذه الدينامية.
هل بإمكان عزيز أخنوش، الذي أصدر بلاغا عريضا وطويلا ضد الجواهري، أن يأتينا بعكس الأرقام التي تكشف عمق أزمة الثقة في الأحزاب؟ هل بإمكان أخنوش أن يكذب الأرقام التي تؤكد بأن المغاربة لا يثقون في الأحزاب والبرلمان والحكومة؟ هل بإمكان أخنوش أن يكذب الأرقام التي تقول بأن ثقة مغاربة مرتفعة بالنسبة للمؤسسة الأمنية والعسكرية، بينما تقترب من الصفر عندما يتعلق بالمنتخبين؟
مشكلة بعض الأحزاب السياسية أنها تريد قمع مواقف رجالات الدولة، حتى وإن نطقوا عن حق. وبدل أن تشتغل على معالجة الاختلالات التي تعيشها، بما يساهم في تعميق أزمة الثقة، فإنها تواصل نهج “الآذان الصماء” وسياسة” الهروب إلى الأمام” بإصدار بلاغات مطولة لا تساهم إلا في تحريض واقع لا يترفع: المغاربة لا يثقون في الأحزاب السياسية.