أسامة بلفقير – الرباط
لم تكن 2020 مجرد سنة غير عادية بالنسبة للمغاربة، بل كانت محطة أيضا تم فيها امتحان قدرة وقوة الدولة في الصمود ضد عاصفة فيروس “كورونا”، التي حصدت الآلاف من الأرواح، وأصابت مئات الآلاف من المغاربة.
هي سنة استثنائية بكل المقاييس، أثبتت فيها الدولة عن فاعلية غير مسبوقة في التعاطي الاستعجالي والمرن مع احتياجات المغاربة، وقد لعب في ذلك الملك محمد السادس دورا استراتيجيا وتاريخيا سيتذكره المغاربة بكثير من الاعتزاز والافتخار.
تتذكرون اللحظات التي كانت فيها الدول تغلق حدودها، وتتوالى قرارات وقف الأنشطة الاقتصادية والمهنية بمختلف أشكالها..تتذكرون أيضا مشاهد الطوابير أمام الأسواق الكبرى، إيذانا بقدوم أسوأ كارثة صحية في التاريخ المعاصر.
كان الخوف يدب في نفوس المغاربة، وقد كانت الحالات لا تتعدى في البداية رؤوس الأصابع، قبل أن يتطور الوضع تدريجيا لندخل مسارا جديا، ويطرح السؤال: هل الدولة قادرة على مواجهة هذا الوضع؟ وما مصير العاملين في القطاع الخاص وغير المهيكل، في حال تقرر شل الحياة؟”.
كانت هناك أسئلة ملحة ومقلقة..بين هم السؤال عن قدرات المنظومة الصحية، والقلق عن مصير مصدر قوت الملايين..أسئلة سرعان ما تجاوب معها ملك محمد السادس الذي تابع وأشرف على تدبير تدخلات الدولة منذ البداية، ليس فقط بصفته رئيسا للدولة، لكن أيضا بصفته الإنسانية كأب لكل المغاربة..كان هم تخفيف حدة هذه الجائحة على المواطنين يسكن باب جلالته منذ البداية.
وهكذا كان..في ال17 من مارس 2020، وبينما كانت الدول تسارع لاتخاذ قرارات إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ترأس الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالدار البيضاء، جلسة عمل خصصت لتتبع تدبير انتشار وباء فيروس كورونا ببلادنا، ومواصلة اتخاذ مزيد من الإجراءات لمواجهة أي تطور.
وقد جاء هذا الاجتماع في إطار المتابعة المستمرة التي كان يوليها جلالته لتطورات هذا الوباء، منذ بداية انتشاره على الصعيد العالمي، ومباشرة بعد ظهور الحالات الأولى على التراب الوطني.
وفي بداية هذا الاجتماع، استفسر جلالة الملك وزير الصحة عن آخر تطورات الوضعية الصحية ببلادنا، والطاقة الاستيعابية للمستشفيات والوحدات الصحية، بمختلف جهات المملكة، وكذا توفير جميع مستلزمات السلامة الصحية، بما في ذلك مواد التعقيم والأدوية.
وبناء على المعطيات التي قدمها وزير الصحة، وحرصا من جلالة الملك على الرفع من قدرات المنظومة الصحية الوطنية في مواجهة هذا الوباء، أصدر جلالة الملك، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، تعليماته السامية للمفتش العام للقوات المسلحة الملكية، قصد وضع المراكز الطبية المجهزة، التي سبق لجلالته أن أمر بإحداثها لهذا الغرض، بمختلف جهات المملكة، رهن إشارة المنظومة الصحية بكل مكوناتها، إن اقتضى الحال وعند الحاجة.
وقد جاءت هذه المبادرة الملكية السامية في إطار المقاربة الاستباقية، التي أمر جلالة الملك باعتمادها منذ بداية ظهور هذا الوباء، وتعزيز الإجراءات الوقائية والاحترازية غير المسبوقة، التي اتخذتها القطاعات والمؤسسات المعنية، بهدف الحد من انتشاره، ومواجهة تداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وبهذه المناسبة، تم استعراض مدى تنفيذ الإجراءات التي تم اتخاذها، بتوجيهات سامية من جلالته، والتي تهم إغلاق المجال الجوي والبحري المغربي أمام المسافرين، وإلغاء التجمعات والتظاهرات الرياضية والثقافية والفنية، وإحداث صندوق خاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19″، وتوقيف الدراسة بالمدارس والجامعات، والإغلاق المؤقت للمساجد، وتعليق الجلسات بمختلف محاكم المملكة، إضافة إلى مجموعة من الإجراءات التي بادرت لاتخاذها السلطات المختصة، في مجالات النقل العمومي، وإغلاق المحلات العمومية غير الضرورية.
كما وجه جلالة الملك، نصره الله، السلطات المختصة للسهر على حسن تطبيق التدابير الناجعة المتخذة في مجال ضمان تزويد الأسواق عبر التراب الوطني، بجميع المواد الغذائية والاستهلاكية، وبمواد التطهير والتعقيم، بصفة منتظمة ومتواصلة، ومحاربة مختلف أشكال الاحتكار والزيادة في الأسعار.
وفي نفس السياق، أصدر جلالة الملك تعليماته السامية لرئيس الحكومة ولجميع القطاعات المعنية، باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة، والإعداد لمرحلة جديدة، إن اقتضى الحال ذلك.
وفي إطار نفس الاهتمام، تميز تدبير الملك محمد السادس لأزمة الجائحة، بإعطاء تعليماته للحكومة، قصد الإحداث الفوري لصندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا. وأمر الملك بتخصيص هذا الصندوق، الذي ستوفر له اعتمادات بمبلغ عشرة ملايير درهم، من جهة، للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، سواء فيما يتعلق بتوفير البنيات التحتية الملائمة أو المعدات والوسائل التي يتعين اقتناؤها بكل استعجال.
ومن جهة أخرى، تقرر رصد الجزء الثاني من الاعتمادات المخصصة لهذا الصندوق، لدعم الاقتصاد الوطني، من خلال مجموعة من التدابير التي تقترحها الحكومة، لاسيما فيما يخص مواكبة القطاعات الأكثر تأثرا بفعل انتشار فيروس كورونا، كالسياحة وكذا في مجال الحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الأزمة.