توفيق سليماني
كنا ننتظر أسبوع اللغة الاسبانية بالمغرب ما بين 15 و22 أبريل الجاري فإذا بأسبوع المغرب بإسبانيا يشد أنظارنا. أسبوع المغرب بامتياز في الجارة الشمالية ولو أنه لم يحظى عندنا بأدنى اهتمام على كل المستويات، بينما اهتم به الآخر وأوفاه حقه لمآرب خاصة وحزبية وانتخابية.
استعملت عبارة “أسبوع المغرب” مجازا نظرا لأهمية الأحداث والوقائع التي حضر أو ذكر أو استعمل فيها المغرب بين مدريد والأندلس. أسبوع المغرب بإسبانيا انطلق مبكرا مساء يوم الأحد 7 أبريل الجاري، وبلغ أوجه يوم أمس الاربعاء، ولازال النقاش مستمرا، عندهم طبعا. هنا لم يبدأ لينتهي.
كما أقول دائما لا أومن بالصدفة في العمل السياسي والحزبي والدبلوماسي والبرلماني. كل شيء لديه رمزيته وحساباته وتكتيكاته. هل من الصدفة أن ينطلق هذا الاسبوع يوم 7 أبريل، أي في نفس يوم اعتماد إعلان الرباط في ابريل 2022 بعد الاجتماع الذي جمع بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الاسبانية، بيدرو سانتشيث، بالقصر الملكي بالرباط؟ مستبعد.
هل من الصدفة أن يفتتح هذا الاسبوع المغربي بالجارة الشمالية بفطور رمضاني في أرض الأندلس، الفردوس المفقود، بحضور أندري ازولاي، مستشار الملك محمد السادس، وسفيرة المغرب بمدريد، كريمة بنعيش، وعمدة مدينة الصويرة، طارق العثماني؛ علما أن اعتماد إعلان الرباط كان في رمضان وبعد افطار ملكي على شرف بيدرو سأنتشيث في 7 أبريل 2022، وهو الإعلان الذي دعمت فيه اسبانيا مخطط الحكم الذاتي في الصحراء بعد أن كانت عبرت عن ذلك في رسالة كان قد وجهها سأنتشيث الى الملك محمد السادس يوم 14 مارس 2022، وهي الرسالة التي نشر مضامينها الديوان الملكي يوم 18 مارس 2022. لا اعتقد
الوقائع والأحداث
احتضنت مؤسسة الثقافات الثلاث بالاندلس إفطارا رمضانيا خاصا للغاية يوم الأحد المنصرم، بحضور اندري ازولاي، المستشار الملكي، وأنطونيو سانث، مستشار الداخلية في حكومة الأندلس، إلى جانب السفيرة كريمة بنيعيش.
إيريني لوثانو، مديرة بيت العرب باسبانيا والمقربة من بيدرو سانتشيث، حضرت الافطار كذلك. إيرني لوثانو هي اشتراكية الهوى والتوجه. انطونيو سانث هو صورة مصغرة للنظرة الواقعية البرغماتية للحزب الشعبي الحاكم في الأندلس تجاه المغرب. ولوثانو تجسد تصور الحزب الاشتراكي الحاكم في اسبانيا تجاه المغرب. وهو تصور مجسد في إعلان الرباط، 7 ابريل 2022، والإعلان الختامي للقمة المغربية الاسبانية ال12 بالرباط في فبراير 2023.
الاثنان يعبران عن الاستراتيجية الواقعية والبرغماتية للدولة العميقة الأسبانية منذ 2014 تجاه المغرب بعيدا عن الشطحات الحزبية والسياسية والإعلامية التي تؤثث المشهد، كما حدث يوم أمس في الكونغرس الاسباني. شطحات جزء من الحزب الشعبي في مدريد وغالسيا المتؤثر بخوسي ماريا اثنار، وشطحات فوكس، على اليمين المتطرف، ومناورات سومار، على اليسار مسنودا ب Bildu وMás País، في انتظار اعلان دفن Podemos، لا تحدد التوجهات الكبرى. اثابيل دياث ايوصو، رئيسة جهة مدريد، تقود التوجه الجديد النيو اثناري. توجه لم يستطع فيخو مواجهته وانغمر فيه، وهو التوجه الذي لا يساريه الحزب الشعبي في الاندلس وجهات اخرى. شبهات الفساد الضرييي التي تحوم حول ايوصو وزوجها أضعفت هذا التوجه الذي حاول اثنار العودة نظريا من خلالها للمشهد. نجاح ثاباتيرو في العودة للمشهد من وراء ستار لا يعني أن اثنار سينجح في ذلك. الأول نجح والثاني يحاول وهذه المحاولات تحاول استعمال المغرب.
لم يكون مجرد افطار خاص وعادي، بله تعبير عن فكرة واضحة مفادها أن الحزب الاشتراكي والشعبي لا يختلفان في العمق والجوهر في تصورهما لموضوع المغرب El tema de Marruecos وقضية الصحراء. الحزب الشعبي خلق اختلافا على مستوى الشكل والكيفية للاستعمال السياسي والانتخابي والإعلامي للاستهلاك الداخلي.
عكس ما كتب وقيل في اسبانيا هذا الاسبوع، بيدرو سانتشيث، رئيس الحكومة وزعيم الحزب الاشتراكي، والبيرتو فيخو، زعيم المعارضة والحزب الشعبي، لديهما نفس النظرة الاستراتيجية للمغرب، وليس بينهما اختلافات عميق تجاه الجار الجنوبي. طبيعي أن يحاول فيخو اعتماد دعم سانتشيث للحكم الذاتي لاستمالة الناخبين المتعاطفين مع البوليساريو، لكن الحكم ليس كالمعارضة، وهذا ما علمتنا إياه التجارب السابقة في بلاد قشتالة.
السفارة المغربية وصفت الافطار الاندلس المغربي الأسباني بالاحتفال ب”التعددية”. انطونيو سانث عن الحزب الشعبي قال إن الافطار تعبير عن “التناغم والتفاهم المتبادل”، وأنه تجسيد للتفاهم بين المغرب والاندلس.
يبين الافطار أن التراشق الداخلي بين الحزب الاشتراكي والشعبي يبقى مجرد بحث عن استمالة الناخبين ودغدغة مشاعر من يتعاطفون مع البوليساريو أو من ينظرون إلى المغرب كمصدر للمشاكل الأسبانية. بعض الاحكام المسبقة والاحداث التاريخية جعلت بعض الاسبان يعتقدون أن كل التهديدات تأتي من الجنوب.
انتهى افطار مساء الأحد
يوم غد الإثنين، المنصرم، بعد الافطار، تسلم اندري ازولاي الميدالية الذاهبية من يد رئيس حكومة الاندلس، خوان مورينو، وهي الميدالية التي منحتها الجامعة الدولية الاندلسية لمؤسسة الثقافات الثلاث، وازولاي تسلمها باعتباره الرئيس المشترك لهذه المؤسسة عن الجانب المغربي، فيما يترأسها كذلك انطونيو سانث عن الجانب الاسباني.
حفل تسليم الجائزة حضرته كذلك سفيرة المغرب كريمة بنعيش ولو أنها لم تكن في الواجهة بحكم أن الحفل يهم الجامعة ومؤسسة الثقافات الثلاث وحكومة الاندلس. لم يعقد أي اجتماع او لقاء رسمي بين السفيرة المغربية وازولاي ورئيس حكومة الأندلس، ولكن ساد جو من الانسجام والدفء بين الجانبين، وفق مصادر حضرت اللقاء.
يوم الثلاثاء التقى ازولاي بمجموعة من المقاولين والمستثمرين الأسبان في غرفة التجارة بإشبيلية. وكان الهدف من اللقاء تشجيع التعاون الاقتصادي بين الضفتين، وكذلك تحفيز المستثمرين الأندلسيين على الاستثمار في المغرب نظرا للمشاريع الكبرى التي يتمّ إنجازها وباعتبار المغرب بوابة للمقاولين الاسبان للولوج الى القارة الإفريقية.
في نفس اليوم (الثلاثاء) كان هناك لقاء في مدريد يجمع بين وزير الخارجية الاسباني، خوسي مانويل الباريس، ورئيس حكومة جزر الكناري، حول المغرب. كان الاجتماع مخصصا حصريا لمناقشة القضايا التي تهم جزر الكناري في علاقتها بالمغرب. كانت لدى رئيس الحكومة الكنارية العديد من التساؤلات بخصوص المناورات العسكرية للجيش المغربي في مياه الاقاليم الجنوبية قبالة سواحل الكناري وقضتي ترسيم الحدود البحرية والهجرة غير النظامية.
انتهى اللقاء باقتناع رئيس جزر الكناري بأن المغرب لم ولن يقوم بتحرك أو يتخذ قرار أحاديا بخصوص القضايا المشتركة مع أسبانيا. من خلال بلاغ حكومة جزر الكناري اتضح أنها حصلت على جواب شاف: المناورات العسكرية لا تمس المجال البحري للكناري وكل المفاوضات والمشاورات مع المغرب المرتبطة بالكناري سيحضر فيها ممثلون عن الجزيرة.
أسبوع المغرب في اسبانيا بين الاندلس ومدريد سيبلغ أشده يوم أمس الأربعاء صباحا بمقر الكونغريس الاسباني، حيث مثل بيدرو سانتشيث أمام نواب الأمة، بطلب من الحزب الشعبي، لتقديم توضيحات بخصوص دعمه لمخطط الحكم الذاتي وسفره الأخير إلى الرباط وكذلك العلاقات الثنائية مع المملكة.
سانتشيث مثل كذلك أمام الكونغرس، بطلب منه هذه المرة، لتقديم توضيحات بخصوص المجلس الاوروبي. لكن النقاش انصب واحتدم حول موضوع المغرب، وهو الامر الذي أكدته مداخلات وتعقيبات الحزب الشعبي وفوكس، وبيلذو والحزب الوطني الباسكي وسومار. مداخلة سانتشيز في البداية كانت واضحة، حيث اعطى فيها نتائج المرحلة الجديدة مع المغرب، ولو أنه لم يتطرق إلى التفاصيل. بدا أن سانتشيث حقق كل ما كان يريد من المرحلة الجديدة مع المغرب، باستثناء إعادة فتح المعبر الحدودي الجمركي بني انصار الذي اغلق من الجانب المغربي مع مليلية في غشت 2018، وتدشين المعبر الحدودي الجمركي الجديد المفترض في معبر باب سبته.
سانتشيث أكد على ان الحكومة الأسبانية لديها تعاون ممتاز مع السلطات المغربية في مجالات محاربة الهجرة غير النظامية ومحاربة الارهاب وشبكات تهريب البشر، كما وصف المبادلات التجارية بالممتازة، مذكرا بالمشاريع الكبرى التي باشرها المغرب إنجازها والتي يمكن أن تكون فضاءا واعدا للشركات الاسبانية. عين على المشاريع والميزانية التي خصصها المغرب لاحتضان كأس العالم 2030 إلى جانب اسبانيا والبرتغال.
كل هذا لم يقنع الحزب الشعبي الذي صار يوم أمس اكثر يسارية من سومار وبيلدو، وارتدى معطف المدافع عن البوليساريو. الحزب الشعبي قال إن سانتشيز تخلى عن الصحروايين وأفسد العلاقات الثنائية مع الجزائر، بل أكثر من ذلك طرح زعيمه فييخو 10 أسئلة على سانتشيث، في اطار التعقيب، 9 منها حول المغرب، وسؤال يتيم حول فنزويلا. سانتشيث لم يعقب. وأكتفى بالتوكيد على أن الحزب الشعبي لا يعمل “لمد الجسور ، بل لزرع الأفخاخ والتوترات الدبلوماسية مع هذا البلد (اي المغرب).
حزب فوكس هاجم كذلك سانتشيث باستعمال المغرب. فوكس اتهم سانتشيث بالتبعية للمغرب دون أن يقدم أي دليل، وهو نفس الأسلوب الذي يتبعه في مهاجمة الأجانب والمغاربة. الضربات التي تلقاها سانتشيث من حلفائه في سومار و Más País وBildu وPNV كانت منتظرة. وتبقى النقطة السلبية والمقلقة في هذا الاسبوع المغربي في اسبانيا هو اجماع اغلب التشكيلات الحزبية الاسبانية في الكونغرس الاسباني يوم امس على استعمال المغرب لضرب سانتشيث وحزبه، وتوجيه الرأي العام الاسباني، وعينها على الانتخابات الجهوية في منطقة الباسك في الايام المقبلة والانتخابات الأوروبية في يونيو المقبل.
خلاصة
هذه النقطة السلبية يجب على الدبلوماسية المغربية تحويلها الى فرصة لمواصلة العمل على الرأي العام الاسباني وفتح قنوات التواصل مع جميع التشكيلات الحزبية الاسبانية والجمعوية عبر الدبلوماسية الحزبية والمدنية والجمعوية المغربية. لا يمكن للدبلوماسية الرسمية وحدها أن تقوم بكل شيء.
ضعف الاحزاب عندنا وإضعافها ومحدودية التشبيك الجمعوي لا يسعفان ولا يساعدان على تقريب وتجسير الهوة مع الرأي الاسباني الذي لازال ينصت للسلطة الرابعة في بلده اكثرها مما يسمع أو يستمع (من بعيد، الافعال مهمة) للنخبة الاسبانية التي لا تختلف في كون المغرب بلد استراتيجي للحفاظ على أمن واستقرار شبه الجزيرة الايبيرية. فهم النخبة الاسبانية للمغرب وإدراكه لاهمية الاستراتيجية لا يعنيان أن المواطن الاسباني العادي يدرك ذلك.
تحركات اندري ازولاي والسفيرة المغربية بالاندلس، وخلاصات الاجتماع بين خوسي مانويل الباريس ورئيس حكومة الكناري، ومداخلة سانتشيث في الكونغرس، كلها نقاط إيجابية يجب البناء عليها، وتبقى النقطة المقلقة هي اصطفاق كل الفرق البرلمانية ضد سانتشيث في الموضوع المرتبط بالمغرب. ومع ذلك يجب أن ننظر الى هذا التحدي كفرصة. التحرك الاستباقي من شأنه تجنيب ما حدث يوم أمس في الكونغرس في المستقبل.
أما تحركات الحزب الشعبي الاسباني فتبقى تكتيكا لحظيا لتحقيق مآرب انتخابية والضغط على سانتشيث. البيرتو فييخو لن يحيد عن الطريق الذي رسمه له شيخه مارينو راخوي الذي أوصى خيرا بالمغرب في كتابه الأخير. “لقد أعطيت اهتماما خاصا للتعاون مع البلدان الأفريقية المتوسطية من خلال تعزيز الحوار والتعاون، والمغرب على وجه الخصوص. المغرب بلد جار تربطنا به روبط كثيرة”، يكتب راخوي في الصفحة 201 من كتاب “إسبانيا أفضل” الصادر سنة 2022، أي بعد أربع سنوات من مغادرة الحكم. ويضيف: “المغرب في عهد الملك محمد السادس باشر مسارا بارزا على مستوى التحديث والتنمية”، الصفحة (228).