ترجمة : عماد مجدوبي
تحت عنوان ”رحلة إلى قلب الديوان الملكي لمحمد السادس”، خصصت مجلة ”جون أفريك” ملفا عن أعضاء الديوان الملكي. تحكي فيه بالتفاصيل عن أدوار ومهام هذه الشخصيات البارزة التي تلعب أدوارا أساسيا في الحياة السياسية بالمملكة. كما تروي أسرارا وكواليس من قلب هذه المؤسسة الأكثر مساهمة في صنع القرار بالمغرب.
تقول المجلة الناطقة بالفرنسية إنه خلف الأسوار العالية المنيعة المحيطة بالقصر الملكي في الرباط يكمن قلب السلطة الرمزي والفعلي في المغرب: الديوان الملكي. يجاور هذا المقر مدخل الحكومة المغربية المركزية، وهو ما يعكس تكاملاً مميزاً بين المؤسستين، اللتين تعملان معًا لتشكيل جوهر النظام المغربي الفريد.
الملك والسلطة التنفيذية
في هذا النموذج المتميز، تضيف الصحيفة، تجمع الملكية بين السلطات التنفيذية الواسعة للحكومة بموجب دستور سنة2011. والتي تشمل الإدارة وتنفيذ القوانين والمشاريع الكبرى، وبين التوجيه والإشراف الحاسم من قبل الملك.
ويظل الملك محمد السادس المحرك الأول لمعظم استراتيجيات البلاد وصاحب القرار النهائي، خصوصًا في مجالات السيادة مثل الأمن والدفاع والدبلوماسية. يمارس الملك هذه السلطة عبر هيئة متكاملة تشمل مجلس وزراء ومستشارين ومختصين وإداريين من مختلف المجالات.
المستشارون الملكيون.. رجال الظل المؤثرون
تسترسل ”جون افريك” وهي تغوص في خبايا الديوان الملكي، بالقول إنه يتكون من أكثر من مائة فرد يعملون بهدوء واحترافية عالية، بعيدين إلى حد كبير عن أعين الشعب باستثناء بعض الشخصيات البارزة كمستشاري الملك محمد السادس.
وتضيف أن هذه النخبة تضم أسماءً رفيعة المستوى مثل فؤاد عالي الهمة، أندريه أزولاي، عمر عزيمان، الطيب الفاسي الفهري، عمر القباج، عبد اللطيف المنوني، وياسر الزناكي.
كيف يتم توزيع المهام داخل الديوان الملكي
يتم اختيار أعضاء هذه الدائرة حصريًا بظهائر ملكية ويتميزون بتنوع خبراتهم وشبكاتهم الاجتماعية إلى جانب مهاراتهم في مجالاتهم المختلفة. رغم حصرية هذا المحيط، كانت زليخة الناصري المرأة الوحيدة التي شغلت منصب مستشارة ملكية طوال تاريخ المغرب.
في عهد الحسن الثاني، تقول ”جون أفريك”، كانت اختيارات المستشارين تعكس غالبًا ميوله الشخصية، سواء بالصداقات أو الكفاءة المهنية في القانون والسياسة، فيما تحمل قرارات محمد السادس طابعًا عمليًا يركز على الكفاءة العملانية والانفتاح. وتعكس هذه الاختيارات منهجيته في إدارة الديوان ومفهومه لتطوير البلاد.
وذكرت الصحيفة أن أبرز المستشارين وأكثرهم نفوذاً يبقى فؤاد عالي الهمة، الذي كان زميل دراسة للملك وشغل مناصب هامة قبل أن يؤسس حزب الأصالة والمعاصرة. رغم ما واجهه من نقد خلال أحداث الربيع العربي عام 2011 لافتراض رغبته في مزيد من التأثير السياسي، تحوّل ليصبح مستشارًا ملكيًا مباشرة بعد تخليه عن قيادة الحزب.
هذه الخطوة أكدت، وفقا لـ ”جون أفريك” على الثقة التي يحظى بها في القصر وإشادته كواحد من أكثر الشخصيات ولاءً وخبرةً. أما أندريه أزولاي فهو يُعتبر “عميد” المستشارين. انضم إلى الديوان منذ التسعينيات في عهد الحسن الثاني ليكون أحد أبرز وجوه الطموح الاقتصادي والثقافي المغربي عالميًا. رغم تقليص مسؤولياته مؤخرًا، لا يزال يمثل نموذجًا للتعددية الثقافية المغربية ويحظى بحضور محلي ودولي واسع النطاق.
الطيب الفاسي الفهري، الوجه المعروف في الجهاز الدبلوماسي المغربي، يعد ركيزة أساسية في مجال العلاقات الدولية. أما الأعضاء الآخرون مثل عبد اللطيف المنوني، فقد ارتبط اسمه بإصلاحات مفصلية مثل دستور 2011. بينما يتميز عمر عزيمان بخبرته في قضايا العدالة والتعليم وحقوق الإنسان. عمر القباج يجلب بدوره رؤيته الاقتصادية بفضل خبرته الطويلة في المؤسسات المالية الدولية. وأخيرًا ياسر الزناكي الذي تحول من القطاع المصرفي إلى الديوان الملكي ليصبح لاعبًا هادئًا لكنه حاضر خلف الكواليس.
تحديد المسؤوليات
وأورد المنبر ذاته أن توزيع المهام داخل الديوان لا يخضع لأي تقسيم رسمي أو تسلسل هرمي واضح. بدلاً من ذلك، يتم تحديد المسؤوليات بناءً على توافر المستشارين وتقديرات الملك وفقًا لطبيعة الملفات المطروحة.
ورغم هذا التوزيع الأفقي، يضيف المصدر، إلا أن الكفاءة التخصصية تبقى عاملاً مؤثرًا في إسناد المهام؛ فمثلاً يتم تكليف الطيب الفاسي الفهري بالدبلوماسية، أو عبد اللطيف المنوني بالشؤون القانونية.
هذه الديناميكية تجعل من الديوان مؤسسة مرنة تدعم اتخاذ القرارات المصيرية بخبرة متكاملة ومتنوعة، بحسب المجلة ذاتها.
مع رحيل عدد من المستشارين في السنوات الأخيرة، مثل عباس الجراري، ومحمد المعتصم، وزليخة الناصري، يبدو أن الوقت قد حان لتنويع المناصب وتحضير الخلفاء الجدد في انتظار تعيينات جديدة للديوان الملكي. يضيف كاتب المقال.
يظهر هذا التحدي في سياق تاريخي يمتد إلى تشكيل الحكومة بعد أحداث الربيع العربي خلال سنتي2011 و2012.
لكن يبقى السؤال، بحسب ”جون أفريك دائما”: كيف يصبح الشخص مستشارًا ملكيًا؟ لا توجد قاعدة ثابتة تحدد ذلك. في عهد الحسن الثاني، كان الديوان يُعتبر محطة انتقال بين مناصب مختلفة، لكن منذ أواخر التسعينيات، أصبح منصب المستشار الملكي بمثابة تتويج لمسار مهني مميز. خاصةً لأولئك الذين يتمتعون بخبرة طويلة في المناصب الوزارية أو الذين يمثلون النخب التكنوقراطية التي نجح القصر في استقطابها.
ورغم الأهمية الكبيرة التي يحملها هذا المنصب، فإن ظروف العمل تبدو متواضعة إذا ما قورنت بهيبة الدور.
رواتب ومهام أعضاء الديوان الملكي
أوردت الصحيفة أن المستشارون يتقاضون رواتب مماثلة لكبار المسؤولين في الدولة المغربية. وهي أقل بكثير مما قد يجنيه البعض منهم لو عملوا في القطاع الخاص. مكاتبهم بسيطة نسبيًا، حيث يحتل أكثرها اتساعًا مكتب أندريه أزولاي، الذي يُقال إنه حصل عليه نظرًا لأقدميته.
تلك المكاتب مزينة بأسلوب يعكس عبق التقاليد المغربية، مع مزيج من الزخارف الكلاسيكية مثل كراسي على طراز لويس الخامس عشر وأثاث مزين بخشب الورد والمذهبات البرونزية.
ويمتد الطابع التقليدي إلى التفاصيل اليومية، إذ يظهر الخدم المعروفون بـ”موالين أتاي”، بملابسهم الحمراء المميزة وقبعاتهم المزينة بشعار القصر. وهم يقدّمون الشاي بطريقة احتفالية تحافظ على تقاليد الخزانة الإمبراطورية التي أسست منذ خمسينيات القرن الماضي.
تحت القيادة المباشرة للملك، يعمل الديوان الملكي كجهاز دعم لمهام رئيس الدولة السيادية. رغم عدم وجود قاعدة قانونية واضحة تنظم عمل الديوان سوى ظهير دجنبر 1955، يبقى دوره مرتبطًا بإرادة الملك ورؤيته.
فالديوان يمثل حكومة ضمنية ذات نفوذ واسع، وُصفت في السابق من قبل الباحث الأميركي جون ووتربيري بـ”حكومة الظل”. لكن منذ عهد محمد السادس، وخاصة بعد الربيع العربي واعتماد الدستور الجديد، يسعى الديوان لأن يكون أكثر شفافية قدر الإمكان.
أعضاء المكتب الملكي ينخرطون يوميًا في مجموعة متنوعة من المهام. التي تشمل إعداد المذكرات الاستراتيجية، ضمان التنفيذ السليم للمشاريع الكبرى في المملكة، صياغة الرسائل والخطابات، وإدارة المراسلات الموجهة إلى الملك. كما يتولون تنسيق الفعاليات التي تُقام تحت الرعاية الملكية السامية، إلى جانب التعامل مع العلاقات الدبلوماسية مع رؤساء الدول.
هذا التعدد يجعل مكتب المراجعة الدستورية، تورد ”جون أفريك” نقلا عن مصادر وصفتها بالمطلعة، مؤسسة متعددة الوظائف. تجمع بين التفكير الاستراتيجي، التدقيق في المشاريع الكبرى، العمل كمستشارية عليا، وتنظيم الشؤون العامة.
أدوار المكتب الملكي
من أبرز أدوار المكتب الملكي إنتاج دراسات وتأملات استراتيجية حول قضايا المغرب المستقبلية مثل إدارة الموارد المائية. والتحول نحو الطاقة المتجددة، تطوير الحماية الاجتماعية، وتعزيز البنية التحتية الاقتصادية.
في كل من هذه القطاعات، يقوم فريق من الخبراء ومديري البعثات (حوالي عشرين شخصًا) بإعداد الملفات تحت إشراف المستشارين الملكيين. إلا أن دور المكتب لا يقتصر عند هذا الحد؛ فهو أيضًا يشرف على تطبيق السياسات العامة وتنفيذ المشاريع التي يُقرها الملك.
وكشفت المجلة بناء على مصادر مطلعة دائما أنه يتم هذا العمل بالتنسيق مع رئيس الحكومة أو الوزراء المسؤولين عن تلك المشاريع. عندما يتعلق الأمر بتوزيع الصلاحيات بين الديوان الملكي والحكومة. فإن الإجابة عن طبيعة العلاقة بينهما تظل أمراً حساسًا يتجنب غالبية المسؤولين الخوض فيه.
لكن أحد المسؤولين الحكوميين السابقين أشار للمجلة إلى أن المسألة تتعلق بتنفيذ المبادئ التوجيهية للملك بفعالية وليس بالتوصل إلى اتفاق.
وأوضح أن رئيس الحكومة أو بعض الوزراء يكونون هم من يبادرون أحيانًا بدعوة المستشارين الملكيين. لفك الجمود أو تسوية الخلافات بين الإدارات العامة.
بروتكول صارم بين الديوان الملكي والحكومة
يتم التفاعل بين الديوان والحكومة وفق بروتوكول صارم يراعي التسلسل الهرمي الدقيق في المملكة. مستشارو الملك قد يلتقون برئيس الحكومة إذا تطلب الأمر ذلك. لكن الوزراء هم من يذهبون إلى الديوان لتقديم تقاريرهم وليس العكس. أما في حالات استثنائية، فيكون الديوان هو الوسيط في إيصال رسالة ملكية إلى أحد الوزراء.
الديوان الملكي أيضًا هو الجهة التي تمنح الإذن النهائي للزيارات الخارجية للوزراء، بعد موافقة رئيس الحكومة.
عند تنقل الملك داخل البلاد، يُرافقه فريق لوجستي كامل يضمن الاستمرارية في القرارات وتنفيذ المهام اليومية بدقة.
هذه المنظومة تعكس التقليد التاريخي الذي يحرص على ترسيخ رابط مباشر ومستدام بين العرش والشعب. إلى جانب المهام اليومية والتخطيط الاستراتيجي، يتولى المكتب أيضًا إعداد التعيينات الملكية، كتابة الرسائل الرسمية بما فيها رسائل التعزية لشخصيات وطنية ودولية بارزة. والتعامل مع طلبات الرعاية الملكية للفعاليات والمهرجانات. كل هذه الجهود تهدف إلى تحقيق التجانس مع الأولويات الوطنية والمحافظة على صورة المملكة عربياً ودولياً.
وأفادت الصحيفة بأن صياغة الخطب الملكية، تعد إحدى المهام الحيوية التي يضطلع بها مجلس الشورى. حيث تعكس هذه الخطابات بدقة التوقعات العالية للملك فيما يخص الوضوح والتماسك. يتم تحديد المواضيع مباشرة من قبل الملك، إلا أن النصوص تُعد نتاج عمل جماعي ينطوي على قدر كبير من التشاور لضمان تقديم رسالة ملهمة وواضحة تتماشى مع الرؤية الملكية كما أشار أحد المطلعين على العملية.
أداة فعالة مع المغاربة
إلى جانب ذلك، يُشرف الديوان الملكي على عملية التواصل الرسمي، بما في ذلك إصدار البلاغات الصحفية الكبرى. وغالبًا ما تُدار هذه الإجراءات بواسطة شخصيات بارزة في الساحة الإعلامية مثل شكيب لعروسي، الصحفي ورئيس مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء السابق بفرنسا. وكريم بوزدة، المدير التنفيذي السابق في مجال الإعلانات لدى وكالة كليم.
يُعتبر الديوان الملكي، بحسب الصحيفة أداة اجتماعية فعالة، تتيح للملك ليس فقط أداء دوره كحامي العدالة والإنصاف. ولكن أيضًا الحفاظ على صلة وثيقة مع تطلعات المواطنين وهمومهم اليومية. إلى جانب وظائفه التقليدية، يتولى الديوان الملكي يوميًا مسؤولية معالجة مئات الرسائل التي ترده سواء من المواطنين المغاربة أو الشخصيات الأجنبية أو الجهات والمؤسسات الدولية.
تتم هذه العملية يدويًا بالكامل عبر فريق يُصنِّف الرسائل حسب الموضوعات مثل طلبات العفو أو الشكاوى الاقتصادية والاجتماعية.
بعد التصنيف، تُجرى مراجعة دقيقة للمعلومات قبل عرضها على المستشارين الذين يعقدون اجتماعات منتظمة لاقتراح استجابات فعّالة يتم رفعها لاحقًا إلى الملك لاعتماد القرار النهائي.
الملك يُظهر اهتمامًا برسائل الجالية
ونقلت المجلة عن أحد المقربين من الديوان، أن الملك يُظهر اهتمامًا خاصًا بالرسائل الواردة من الجاليات المغربية بالخارج، مما يؤكد حرصه على تعزيز ارتباطه بالمغاربة حول العالم.
من جهة أخرى، يشير بعض علماء الاجتماع إلى أن الديوان الملكي يشبه جهاز قياس الزلازل المجتمعي. إذ يساهم هذا النهج في تمكين الملك من الاستمرار في تجسيد دوره كملاذ أخير ضد أي مظالم محتملة. مع البقاء على تناغم تام مع احتياجات ومخاوف الشعب.