نشر بشراكة مع DW العربية
أصبح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في موقف لا يحسد عليه، فكل الظروف والملابسات تحتم عليه الفوز بالانتخابات بأي ثمن. فالهزيمة تعني بدء سلسلة من الملاحقات القضائية التي لن تنتهي قريباً، كما أنه سيكون “رئيس الفترة الواحدة” وهو أمر يُعتبر مهين لشخص شديد الاعتداد بنفسه وبصورته، خاصة وهو يرى أن منافسه أقل منه كثيراً.
فما الذي يمكن أن يحدث لرجل أثار الضجة في العالم بقراراته وتصريحاته وآرائه، إن هو حصل على ولاية أخرى، أو هو خسر السباق الانتخابي؟
في حال الفوز
1- انهيار تحالفات ومزيد من الدعم للأنظمة القمعية
بحسب موقع “ذي اتلانتيك” فإن أهم ما سيعمل عليه ترامب هو تعزيز سيطرته على مؤسسات الحكومة وإخضاعها لإرادته ، وسيزيل أي مقاومة باقية.
وفي الوقت نفسه، من خلال التأكيد على رفض الولايات المتحدة لدورها القيادي التقليدي، فإن فترة ولاية ترامب الثانية سيكون لها تأثير بعيد المدى على العالم. إذ من المرجح أن تنهار الكثير من تحالفات الولايات المتحدة.
ولا تحظى فكرة حقوق الإنسان بالكثير من الاحترام لدى ترامب خاصة وأنه دعا الجيش الأمريكي أكثر من مرة للنزول والتصدي بعنف للمتظاهرين المعترضين على عنف الشرطة، وكثيراً ما أبدى ترامب ارتياحه وتعاطفه مع القادة المستبدين أكثر من الحلفاء الديمقراطيين.
أيضاً قد يدفع ترامب دول الناتو لمزيد من الإنفاق العسكري وقد ينسحب من جانب واحد من اتفاقية الدفاع المشترك عن بعض الدول كألمانيا وفرنسا، وستتعمق الأزمة مع الاتحاد الأوروبي، كما سيزداد التوتر بشدة مع الصين، إذ من المحتمل أن يعتمد نهجاً أكثر تشدداً مع بكين حيث لايزال الدافع وراء تشدد ترامب المخاوف التجارية والاقتصادية الضيقة بأكثر مما تفعل المصالح الجيوسياسية الأوسع في المحيطين الهندي والهادئ.
2- الولاء المطلق أو الإقالة
سيصر ترامب في ولايته الثانية على ضمان الولاء المطلق والكامل ممن حوله فيما عدا بعض الجمهوريين الكبار الموالين له والمختلفين معه في بعض الملفات، مثل ملف روسيا أو ملف التدخل العسكري في الشرق الأوسط، ومن بينهم السناتور توم كوتون وليندسي غراهام وسفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكي هايلي، ووزير الخزانة ستيف منوشين. وقد يمنح ترامب هؤلاء الأشخاص مناصب عليا، لكنهم لن يكونوا أحرارًا في مخالفة الرئيس أو متابعة أجنداتهم الخاصة ما لم يتحالفوا مؤقتًا مع ترامب.
وبحسب مجلة بوليتيكو، يبدو من الواضح أن ترامب سيقيل العالم الأمريكي الشهير انتوني فاوتشي مدير المعهد الأمريكي للأمراض المعدية وعضو خلية مكافحة فيروس كورونا المستجد
وكان فاوتشي قد انتقد استراتيجية إدارة دونالد ترامب لأزمة كورونا، وأشار في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” أن ترامب لم يعد يأخذ بنصائحه، وبات يفضل طبيب الأشعة العصبية سكوت أتلاس المؤيد لإعادة فتح واسعة للمجتمع الأمريكي.
ترامب أعرب عن احباطه من تفشي فيروس كورونا، وقال أمام حشد من مؤيديه في فلوريدا، هتفوا مطالبين بإقالة فاوتشي” :”لا تخبروا أحداً، لكن دعوني أنتظر قليلاً بعد الانتخابات”.
كما يعتزم ترامب إقالة وزير الصحة والخدمات الإنسانية، أليكس عازار، ومدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، روبرت ريدفيلد، ومديرة وكالة الاستخبارات المركزية، جينا هاسبل، ووزير الدفاع، مارك إسبر ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريس واري لعدم توجيههما لأوباما اتهامات بالتجسس على حملة ترامب، وكذلك لعدم فتح تحقيق جنائي ضد “هنتر” ابن المرشح الديمقراطي جو بايدن.
3- معارك مع مجلسي النواب والشيوخ
يواجه الجمهوريون خريطة صعبة لمجلس الشيوخ. إذ تبدو مقاعد المجلس في الاقتراع في عام 2022 أقل ترحيبًا بالحزب الجمهوري الذي يقوده ترامب، وبالتالي فإن هناك احتمالات كبيرة بأن ترامب لن يواجه مجلسا واحدا بل مجلسين معاديين في الكونغرس في فترة ولاية ثانية.
وبحسب موقع “ماكلينز” الكندي للتحليلات السياسية، “ستظهر هاتان الغرفتان العدائيتان عدم احترام بشكل ما لرئاسة ترامب، وبالتالي فلن يكون لترامب أي نفوذ، ولن يكون لديه القدرة على إقناع الكونغرس بقراراته، وستكون سلطاته الوحيدة هي تلك التي يمكن للرئيس استخدامها من جانب واحد”.
4- حماية شخصية
أيضاً سيكتسب ترامب نفوذاً كبيراً يسمح له بالتفاهم مع الشهود في القضايا والتحقيقات المرفوعة ضده، ومكافأة أصدقائه كما حدث مع روجر ستون الذي تم تخفيف عقوبته، كما يمكنه العفو عن بول مانافورت وستيف بانون وجيسلين ماكسويل وغيرهم من شركائه المتهمين أو المدانين بجرائم قد تورطه هو شخصياً. باختصار ستشهد فترة ولاية ترامب الثانية معارك لا تنتهي بشأن سلطة الرئيس في تحصين نفسه من الاتهامات.
في حالة الهزيمة
عودة إلى تليفزيون الواقع؟
رغم أنه قد بنى أغلب ثروته وشهرته من العمل في العقارات خلال الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، إلا أن البرنامج التليفزيوني “ذا أبرنتيس” “The Apprentice” (بالعربية = المتدرب) كان هو مفتاح ترامب لدخول عالم الشهرة والأضواء، والتي قد يعود إليها من جديد. فمن خلال مشاركته في إنتاج برنامج تلفزيون الواقع الذي قدّمه بين 2004 و2015، نجح ترامب في إظهار نفسه لملايين المشاهدين بصورة رجل أعمال محنك وصاحب كاريزما.
ومن المحتمل أن يطلق ترامب محطة جديدة ليدخل مجال الإعلام من خلالها ويستمر في عرض أفكاره وآرائه المثيرة للجدل خاصة وأنه لم يتوقف مطلقاً عن اتهام الإعلام الأمريكي بأكمله بأنه عدو الشعب وأنه يعاديه هو شخصياً من أول يوم له في الرئاسة، ومن الممكن أن يعتمد أيضاً على قنوات “صديقة” موجودة حالياً من بينها “وان أمريكا نيوز” و”نيوزماكس تي في”.
ملاحقات قضائية
أكثر ما يخشاه ترامب هو أن تسقط عنه الحصانة السياسية قبل أن يقوم بإغلاق كافة الملفات الشائكة التي تحتوي على اتهامات خطيرة بحقه، فبحسب صحيفة “نيويوركر” فإن هناك نحو 10 تحقيقات ودعاوى مدنية بحق ترامب تجري حالياً.
وبحسب الصحيفة فإن ترامب نجا من محاكمة واحدة، وحالتي طلاق، وستة حالات إفلاس، وستة وعشرين تهمة جنسية، وما يقدر بأربعة آلاف دعوى قضائية. لكن في الوقت الحالي فإن هناك تحقيقان في نيويورك قد يكون كل منهما مدخلاً لملاحقة قانونية.
أما الأول فهو تحقيق جنائي أطلقه مدعي عام مانهاتن سايرس فانس، ويدور حول مزاعم بشأن تزوير ضريبي وعمليات احتيال على شركات التأمين وتلاعب بالسجلات المحاسبية وأبرز ما في الموضوع قضية الأموال المدفوعة لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز من أجل إسكاتها عن الحديث عن علاقتها مع ترامب.
أما الثاني فهو تحقيق مدني أطلقته المدعية العامة في ولاية نيويورك ليتيسيا جيمس بهدف التأكد من شبهات بشأن كذب مؤسسة ترامب في شأن حجم أصولها للحصول على قروض وامتيازات ضريبية. وفي كلتا القضيتين، تقع السلطات القضائية للمدعين العامين خارج النطاق الفيدرالي، الأمر الذي يعني أن أي لوائح اتهام أو إدانات ناتجة عن التحقيقات ستكون خارج نطاق عفو رئاسي، هذا بخلاف النفقات الهائلة للقضايا التي سيتعين على ترامب دفعها.
كما أن ترامب وإلى اليوم وبعكس الرؤساء السابقين رفض بشكل مطلق الإعلان عن حجم ثروته ولم يعلن إلا عن مبلغ 750 دولار دفعها كضرائب عن عام 2017، لكنه أكد على أنه دفع ملايين الدولارات كضرائب عن دخله وممتلكاته، وكان من بين وسائل التلاعب اقتطاع مبلغ 70 ألف دولار من الضرائب قيمة نفقات تصفيف شعره
ووفقًا لتقرير مثير صدر مؤخراً عن صحيفة “تايمز”، يتعين على ترامب – سواء تم إعادة انتخابه أم لا – الوفاء بالمواعيد النهائية لسداد أكثر من ثلاثمائة مليون دولار من القروض التي ضمنها شخصيًا؛ جزء كبير من هذا الدين مستحق لدائنين أجانب مثل دويتشه بنك، وفي حال لم يتمكن ترامب من الدفع فإنه سيكون في مأزق.
في غضون ذلك، تقدر صحيفة فاينانشيال تايمز أن نحو تسعمائة مليون دولار من ديون ترامب العقارية ستُستحق في غضون السنوات الأربع المقبلة. في الوقت نفسه، دخل ترامب في نزاع مع دائرة الإيرادات الداخلية بشأن خصم طالب به في نماذج ضريبة الدخل الخاصة به؛ قد يكلفه حكم في غير صالحه نحو مائة مليون دولار إضافية.
سباق 2024 الرئاسي
نظرياً، لا شيء يمنع دونالد ترامب من الترشح مجدداً للرئاسة الأمريكية في الانتخابات المقبلة عام 2024 في حال أخفق في انتخابات هذا العام.
وإضافة إلى العقبات السياسية المتعددة التي تحول دون تحقق هذه الفرضية (خصوصا من داخل الحزب الجمهوري الذي قد يسعى لطي صفحة ترامب)، قد تكون مسألة العُمر عقبة أمام ذلك، إذ سيكون ترامب قد بلغ الثامنة والسبعين في 2024.
الهروب من الولايات المتحدة
في يونيو، تطرق ترامب مازحا إلى إمكان قيامه برحلات برية مع زوجته ميلانيا، وقال: “ربما سأذهب إلى نيويورك للمرة الأولى بالبر مع السيدة الأولى. أظن أني سأشتري سيارة تخييم وأسافر مع السيدة الأولى”. وخلال زيارة إلى “ذي فيلدجز”، أكبر مجتمع للمتقاعدين في فلوريدا، تحدث ترامب عن فرضية تعكس ميلاً أكبر للهدوء. وقال “سأنتقل للعيش في (ذي فيلدجز). الفكرة ليست سيئة، لا بل إنها تروق لي كثيراً”.
وتبقى فرضية أكثر راديكالية تتمثل في الهجرة، فقد قال ترامب قبل أسابيع: “لن أكون في وضع جيد في حال الخسارة أمام جو بايدن “النائم” كما يحلو للرئيس الأمريكي وصفه، وأضاف ترامب: إذا ما خسرت أمام أسوأ مرشح للرئاسة في تاريخ السياسة سأخسر كل شيء.. ما الذي سأفعله؟ قد أضطر لمغادرة البلاد”.
وتعتقد باربرا ريس مؤلفة كتاب “برج الأكاذيب”، والتي عملت مع ترامب لثمانية عشر عامًا في تطوير وإدارة مشاريع البناء، أن الرئيس لا يرشح نفسه لولاية ثانية فحسب، بل يهرب من القانون. وقالت: “أحد الأسباب التي تجعله ينوي الفوز بجنون هو كل التكهنات بأن المدعين سوف يلاحقونه .. إذا ما خسر الانتخابات فلن يعترف بذلك أبدًا وسوف يغادر البلاد”.
تيموثي سنايدر ، أستاذ جامعة ييل، والمتخصص في الأنظمة المعادية للديمقراطية في أوروبا الشرقية، ذهب لأبعد من ذلك وقال لصحيفة نيويوركر إن ترامب قد يهرب إلى دولة أجنبية ليس لديها معاهدة تسليم المجرمين مع الولايات المتحدة، مضيفاً: “أعتقد أنه سيكون لديه عرض على RT – شبكة التلفزيون الحكومية الروسية”.