أمكار عصام ي
تعد رواية زينة الدنيا للكاتب والمفكر حسن أوريد رواية “تسافر بنا عبر التاريخ وتغوص بنا في دروب المجتمع، لأنها تُقدم للقرّاء صورة حية للحياة في الأندلس، وتُناقش العديد من القضايا الإنسانية، مثل الصراع بين الحضارات، اضطهاد الأقليات، وصراع الفرد مع نفسه، ثم الدسائس والوشايات الكاذبة داخل البلاط الشيء الذي جعل الدولة على المحك، وتعد هذه الرواية تتمة لرواية ربيع قرطبة التي يقوم فيها الحكم المستنصر بالله بما يسمى بعملية البوح لشخصية زيري ،والذي يفصح في هذا البوح عن الحُكم والأدوات المستخدمة فيه سواء الشرعية أو المحرمة . وتعد الرواية لوحة غنية بالأحداث والتفاصيل عن الصراعات التي كانت تدور رحاها في بلاط الخليفة، والتي شكلت نقطة تحول كبيرة في مسار حكم بني أمية بالأندلس . فكيف يمكن الحديث عن هذا الصراع ؟ وما هي أقطابه ؟ وهل شكلت هذه الأقطاب دفعة معنوية للبلاط أم ساهمت في إنهاكه ؟ ومن صنع جعفر ؟ وهل ابن عامر فعلا صنيعة جعفر نفسه ؟ وما موقف الخليفة هشام من كل هذا ؟ هل لعب دورا إيجابيا أم بقي متفرجا لا غير ؟
إن صراع جعفر مع ابن عامر هو صراع على السلطة والنفوذ، لكنه ليس الصراع الوحيد في الرواية، لأن هذا الصراع يندرج ضمن سياق صراع أوسع حول السلطة في الدولة، يطمح فيه ابن عامر للسيطرة على كل مفاصلها .
ويمكن تحليل هذا الصراع من خلال ما يلي :
طبيعة الصراع : تمثل كل شخصية امتدادا لمرحلة وأن المرحلة السابقة هي التي جاءت بابن عامر الذي يعد صنيعة الحاجب جعفر، والذي سينقلب عليه في النهاية . والحقيقة بأن الصراع كله كان يدور حول السلطة .
نتائج الصراع : تكمن في أن ابن عامر تمكن من سجن جعفر بسجن المطبق حيث سيتمكن ابن عامر من السيطرة على الدولة برمتها .
رمزية الصراع : يرمز إلى الحرب حول التقرب من السلطة والنفوذ
رغم أن كل شخصية كان مصيرها مأساويا، فجعفر قد سجن وابن عامر أصبح عليلا . الشيء الذي يجعلنا نتصور الحياة كغمامة عابرة وبأن حرب الدسائس والوشايات تجهض المسارات ولا تبنيها .
في رواية زينة الدنيا يمكن أن نعتبر بأن كل من جعفر وابن عامر، شخصيتين متسلطتين تسعيان لتحقيق مصالحهما دون الالتفات لمشاعر الاخرين لكن دوافعهما تختلف :
ابن عامر :
يسعى للسلطة من أجل تحقيق طموحاته السياسية والعسكرية.
يُريد بناء إمبراطورية قوية في الأندلس، ويُستخدم كلّ الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف،
لا يهتمّ بمشاعر الآخرين، ويُستخدمهم كأدوات لتحقيق مآربه.
جعفر :
يتمتع جعفر بعلاقة وثيقة مع الحكم المستنصر بالله، ويُعتبر من أهمّ مستشاريه.
يُساعد جعفر الحكم المستنصر بالله على حلّ العديد من المشاكل، ويُؤدّي دورًا هامًا في حكمه.
تُؤدّي هذه العلاقة إلى صراع مع ابن عامر، الذي يُحاول أن يتخلص من جعفر .
ومن خلال هذا الصراع تم تشكيل ما يسمى البنية الموازية في الأندلس والتي أرساها ابن عامر بالأندلس رغما عن الخليفة هشام . وهي بنية حاضرة في كل المراحل .
ويمكن اعتبار هذه البنية الموازية التي قادها ابن عامر ضربا من “الدولة العميقة”.
تهدف إلى التحكم في الدولة من وراء الكواليس .
يستخدم ابن عامر نفوذه وثروته وشبكة علاقاته لاستمرارية “الدولة العميقة”.
تُمثّل نهاية جعفر في السجن على يد ابن عامر نهاية مأساوية لشخصية مُعقدة ومركبة وغير مفهومة إلى حد ما .
كان جعفر ذكياً ومُخططًا، لكنه كان أيضًا مُغرورًا وطموحًا.
أدّت رغبته في تحقيق السيطرة والنفوذ إلى الاصطدام بابن عامر، الذي كان أقوى منه وأكثر نفوذًا .
وتبقى “زينة الدنيا” لكاتبها حسن اوريد من الروايات التي عادت للتاريخ ليس كمدونة ولكن كمادة للتخييل السردي لسبر أغوار السلطة ومحيطها في الأندلس ابان حكم المسلمين، لكن هذه الكواليس لا تختلف باختلاف الزمن، لأن السلطة ودواليبها تقتضي الكثير من الدسائس والوشايات والمناورات والحروب الباردة، فهل الرواية تريد أن تقول لنا أن ما حدث في الماضي هو نفسه ما يحدث على مدار التاريخ في دواليب أي حكم ؟ أم أن ذلك الزمن ولى إلى غير رجعة؟ وهكذا تعيدنا الرواية إلى علاقة الأدب بالواقع، فهل لهذه الرواية علاقة بواقعنا ،بغض النظر عن طبيعة هذه العلاقة، مادام كاتبها ينتمي إلى هذا الواقع ؟
يقول لسان الدين ابن الخطيب
وَلاَ تُبْعِدِ الأَمْرَ البَعِيدَ وُقُوعُهُ
فَإِنَّ اللَّيَالي أًمَّهَاتُ الْعَجَائِبِ