عندما تساءل جوزيف ستالين، خلال الحرب العالمية الثانية، عن عدد الدبابات التي يمكن أن ترسلها “دولة الفاتيكان” الى الخطوط الأمامية، لم يكن يهزأ بحجمها الجغرافي الصغير ولكنه أخطأ حساب القوة الايمانية الهائلة للكرسي الرسولي.
والآن اذ تنبعث مجددا في قلوب ملايير المؤمنين الموحدين ذات المخاوف من سوء العاقبة التي تحيط بعالم يحفر قبره بيده ، اختارت امارة المؤمنين أن تمد يدها الى الكرسي الرسولي لاعلاء أصوات التوحيد والايمان بالجذع البشري المشترك في مواجهة أصوات الحرب والعنف والارهاب العشوائي ونزعات التقتيل وإراقة الدماء ورفع رايات العنصرية الدينية البغيضة.
ان ما شهدته الرباط خلال زيارة الحبر الأعظم لا يعكس حرج الموقف البشري الراهن في مواجهة الأزمات المتلاحقة فحسب ولكنه يضخ دما جديدا في أوصال المؤمنين بأن البشر لا يملكون خيارا ثالثا غير الفناء المشترك أو البقاء المشترك مهما اختلفت تلاوين معتقداتهم واشكال الشعائر التي يتقربون بها الى رب السماوات والأرض.
هذا اللقاء بين محمد السادس والبابا فرنسيس ، المطوقين معا بأمانة الحفاظ على الأمن الروحي للمسلمين والمسيحيين وفتح كل الطرق التي تفضي بالعبد الى ربه،يتجاوز حدوده الشكلية ليصبح تحالفا استراتيجيا بين قوتين ايمانيتين قادرتين على رسم خريطة طريق جديدة للبشرية عساها تعبر طرقها الملتبسة بأمان. ولعل أبرز ما يميز هذا الاصطفاف التاريخي للمؤمنين الموحدين هو رهانه الفريد على شفاء العالم من علل تمتد من تبعات الظلم وهضم الحقوق وسوء التقدير السياسي وصولا الى آفات الاحتباس الحراري.
واذا كانت امارة المؤمنين قد بادرت قبل ثلاثة عقود ونصف بالدعوة الى حوار الأديان عوض اقتتالها ن فان الرباط لا تزال مصرة وقادرة على صنع تاريخ جديد للتسامح والتعايش والتساكن على أرض نتوهم أنها للغالب منا ولكن لن يرثها غير الله.
وقياسا بنداء القدس ، كأولى ثمرات هذا التحالف الايماني المقدس ، يمكن القول أن امارة المؤمنين والكرسي الرسولي يبشران بولادة وعي انساني مغاير لم يعد يطيق سماع أزيز الدبابات ومشاهد الدم المراق في المساجد والكنائس والمعابد
وبيوتات أذن الله أن يرفع فيها اسمه الأعظم.
لقد أطلقت رباط المسيرات الموفقة مسيرة جديدة استجابت لها دولة الفاتيكان التي تدرك ولا شك أن الطريق سيكون طويلا وشائكا غير أنه لم يعد أمام البشرية الا أن تراهن عليه لتجاوز أزماتها ومحنها الراهنة.