عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
عطفا على تحليلنا السابق الذي أكدنا فيه أن الأعراف الديمقراطية النبيلة، تفرض على كل سياسي أخل بالتزاماته وتعاقده السياسي مع الوطن، بالقسم الذي أداه أمام جلالة الملك، يفرض عليه صيانة الامانة، أو أخل بتعاقده الانتخابي، مع المواطنين، فعليه أن يقدم استقالته.
إن اعتراف الحزب الأغلبي بما وقع فيه وزراءه من اختلال، يفرض عليه وهو يقدم نفسه نموذجا مثاليا، في الدفاع عن ممارسة سياسية بمرجعية ” إسلامية”، عليهم أيضا أن تكون لديه إرادة ذاتية لتحمل المسؤولية، وتقديم الاستقالة، لأن وزيريه وإن ادعى الحزب عدم مساسهما مبادىء النزاهة والشفافية، فإنه محاسب عن مسه بقدسية المسؤولية الحكومية، المستمدة روحها من الدستور والقانون، والعرف، فكلها مقتضيات قوية، تجعل الوزيرين المعنيين، أن يبادروا بتقديم استقالتهما، ويعفوا الوطن من الحرج، وهم يصرون رغم ما ارتكبوه من مس بالحقوق الاجتماعية لمشغليهم، في الاستمرار كمسؤولين لم يقدروا المسؤولية حق قدرها للأسف الشديد، لأن صون المسؤولية وتقديرها، هو صون لمبادىء وأخلاق السياسة التي تفرض على حزب يمتح من المرجعية الإسلامية، الحفاظ بالضرورة على مبادئه النضالية، وأن يناصر الحق ولا يناصر التنظيم فإن الأخلاق تعلو على الحزبية الضيقة والحقيقة.
وفي تخريجة تبريرية مفاجئة، اعتبر حزب العدالة والتنمية أن عدم تصريح كل من وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والمجتمع المدني مصطفى الرميد، ووزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز، بمستخدمين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي “مخالفة قانونية، ما دام التصريح بهم يبقى واجبا في الأصل على المشغل”، وبرأهما في المقابل من خرق “قواعد النزاهة والشفافية المرتبطة بتدبير الشأن العام ومقتضيات تحملهما لمسؤولياتهما العمومية”، لكن نحن نؤكد على أن في مقابل هذا التبرير، فقد تناسى هذا الحزب الذي يرأس الحكومة ويقود فضائلها بين الناس، أن صدور مخالفة قانونية عن مسؤول في الحكومة، ليست هي ذات المخالفة الصادرة عن أي مواطن عادي.
إن اعتزاز الحزب الأغلبي بما وصفه ب “طريقة تعاطيه “مع هاتين الواقعتين، من علو منطق المؤسسات والقوانين والأنظمة الداخلية والمساواة أمامه فوق كل اعتبار”، يقتضي منه وهو يسعى ويفتخر بترسيخه لهذا العلو ثقافة وسلوكا أن يبادر بقول الحقيقة، التي تقول بأن الوزيرين، مسا بحقوق قانونية واجتماعية، هي من صلب الأهداف السامية التي تسعى الدولة المغربية تحت رعاية جلالة الملك أن تصونها كحقوق اساسية لا يمكن باي حال من الأحوال المساس بحرمتها، إننا في هذه المناسبة، سوف نذكر بقول رسول الله ﷺ: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره، رواه البخاري.
فمن المؤسف والمحزن، ونحن نستحضر هذه المعاني النبوية، أن نرى مثل هذه المواقف الحزبية في المشهد السياسي، تضرب بعرض الحائط، بكل هذه المعاني، فلا يمكن أن يقتصر ويختزل النصر على قرابة أو تعصب لجماعة أو حزب أو شخص وهو موغل في الخطأ والظلم.
حقيقة ما يثير الاستغراب في بلاغ الأمانة العامة للبيجيدي، هو أنها فصلت بين أخطاء الرميد وأمكراز المحاميين، وبين منصبيهما الوزاريين، حيث أكدت “أن الأخوين المصطفى الرميد ومحمد أمكراز لم يخرقا قواعد النزاهة والشفافية المرتبطة بتدبير الشأن العام ومقتضيات تحملهما لمسؤولياتهما العمومية”، في حين إن ما وقع فيه المسؤولين الحكوميين، تتعلق بخرق سافر لحقوق الإنسان من موقعيهما كمدبرين للشأن العام، ووصيين على حقوق الإنسان والشغل، وفق المقتضيات القانونية.
إن الممارسة السياسية السليمة والصادقة، كانت تفرض على هذا الحزب، أن يثني أخويه عن الظلم، لا ان ينصرهما بشكل حزبي وليس أخلاقي، كان يفرض الانتصار للمبادىء والأعراف الديمقراطية، التي تفرض على كل مسؤول وقع في خطأ جسيم مس بقدسية مسؤوليته الحكومية، التي تفرض عليه أن يكون قدوة ومثالا يحتذى به، لا أن ننصرهما مظلومين فقط ولا ننصرهما وهنا ظالمين، إن الحياة السياسية الديمقراطية التي يحترم فيها السياسيون أنفسهم تتطلب منهم جرأة كبيرة لتقديم الاستقالة حين يتم المس بقدسية ومبادىء واخلاق السياسية، بعيدا عن الحزبية المقيتة، لأننا مطالبون دستوريا بربط المسؤولية بالمحاسبة ولا نحابي مسؤولا ولا وزيرا لأن الوطن مقدس وصون ما وضعه من مبادىء وقوانين أمر لا يحتمل مجاملة مسؤول إن مناضل حزبي.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية