سكينة قيش _ صحافية متدربة
مر عام على إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كوفيد-19 جائحة عالمية سجلت ما يزيد عن 120 مليون إصابة عبر العالم، وقد خلقت سرعة تفشي الوباء استجابة غير مسبوقة لصناعة الأدوية الحيوية، حيث عرفت هذه المرحلة الاستثنائية تسابق شركات العلوم الحيوية لإيجاد حل لكابوس الفيروس، وبالتالي ظهور ردود فعل سريعة على شكل مشاريع واعدة للتوصل إلى اللقاح، ارتفعت معها أسهم الشركات التي قدمت أفضل اللقاحات المرشحة، مما حمل العديد من مسؤوليها التنفيذيين لبيع أسهمهم في شركاتهم بكميات كبيرة ومبالغ أكبر.
في خضم هذا كان هناك استثناء واحد، يقف وراءه الرئيس التنفيذي وفريقه لأول لقاح لفيروس كوفيد-19 يحصل على تصريح للاستخدام في الولايات المتحدة، أوغوز شاهين الذي لم يبع سهما واحدا من أسهم شركته التي عرفت ازدهارا كبيرا خلال الجائحة ، وهذا ما كشفت عنه وثائق الإفصاح المقدمة إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات.
المسار العلمي والعملي
يتضح جليا التناقض الصارخ بين قرار شاهين بعدم بيع أي من أسهمه في شركة BioNTech مع مبيعات الأسهم الكبيرة لبعض أبرز العلماء ورجال الأعمال، الذين طورت شركاتهم للتقنية الحيوية لقاحات ضد الفيروس، وخصوصا شركة Moderna Therapeutics.
غير أنه يترجم نهج شاهين العام في الحياة والأعمال. الرئيس التنفيذي الذي يتبنى أسلوب حياة متواضع إذ يعيش في شقة متواضعة في مدينة ماينز الألمانية، ويركب دراجته للذهاب إلى العمل، ولا يمتلك سيارة.
يعرّف نفسه على صفحته على موقع LinkedIn، في البداية باعتباره أستاذ الأورام المتعدية في مركز جامعة ماينز الطبي. ويواكب شاهين الهيكل المالي الذي يحيط بالأعمال المرتبطة بالابتكارات التقنية الحيوية، من جمع التمويل، والاكتتابات الأولية، وصفقات الاندماج. وقد تعلم الجوانب المتعلقة بإدارة أعمال شركات التقنية الحيوية من مقاطع فيديو عبر الإنترنت، وقراءة كتاب (Business Plans for Dummies). بحسب ما أشارت إليه بعض التقارير الإخبارية ولكن في الأخير، يتمحور اهتمام شاهين على العلم والمرضى.
شكل شاهين نقطة الضوء وسط العتمة التي ألقت بها جائحة كورونا على العالم، فغير بذلك المنحى المتدهور للأوضاع من خلال منحه اللقاح وبالتالي إنقاذ العالم في نقطة حاسمة، وتقديم إمكانية إنقاذ الأرواح والقضاء على الوباء. هذا التحرك الإيجابي نابع من اقتناع شاهين في وقت مبكر من يناير 2020، بأن فيروس كوفيد-19 سيصبح وباءً مميتًا، وسخر قدرات شركة BioNTech لابتكار لقاح باستخدام تقنية مرسال RNA لمكافحته. ثم دخل في شراكة مع شركة الأدوية الأميركية العملاقة فايزر لتطوير وتوريد ثلاثة مليارات جرعة من اللقاح للعالم بحلول نهاية 2021.
لقد غيّر لقاح شركتي فايزر وBioNTech بشكل جذري مفهوم وول ستريت عن شركة BioNTech. حضر شاهين في الأشهر التي سبقت الوباء، إلى نيويورك ليبيع أسهم في شركة BioNTech المستثمرين مع إطلاق الشركة لطرحها العام الأولي، وإدراج أسهمها في بورصة ناسداك.
مع تطوير اللقاح، ارتفع سهم BioNTech بنحو 900% منذ الاكتتاب في عام 2019، واليوم تقدر قيمة الشركة بنحو 37 مليار دولار. وتتوقع الشركة الآن تحقيق 11.5 مليار دولار من الإيرادات بموجب صفقات اللقاح التي تم إبرامها بالفعل. ونظريًا، تبلغ قيمة حصة شاهين في شركة BioNTech نحو 6.1 مليار دولار. كل هذه الإنجازات انبثقت عن شركة كان عمرها في ذلك الوقت عقدًا كاملًا، لكنها لم تكن قد طورت حتى اللحظة منتجًا واحدًا معتمدًا قائمًا على تقنياتها في مجالات mRNA أو العلاج المناعي. لكن استقبال شاهين لسوق الأسهم بشكل جيد، وعمله على إعطاء نفس جديد للعالم عبر اللقاح ساهم في الخروج بهذه النتائج .
مبيعات الأسهم
توضح وثائق الإفصاح المقدمة إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات في فبراير ومارس الماضيين، أن شاهين يتحكم في 41.66 مليون سهم في شركة BioNTech، وهي حصة تبلغ 17% عبر شركة Medine GmbH، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة يمتلكها منفردًا. كدليل قاطع على ثبات خطواته في ماي يخص النهج العملي.
وتم أواخر العام الماضي. الاحتفاظ بتلك الشركة بعدد صغير نسبيا من أسهم زميل سابق ، كما نقلت 27 ألفا و 540 سهما كانت تحتفظ بها لزملاء آخرين إلى مستفيدين بموجب ترتيبات الثقة ، وأشارت وثيقة إفصاح في فبراير، أنه و في خضم عمليات تحويل الأسهم تلك، إلى أن “شركة Medine GbmH أو البروفيسور أوجور شاهين، لم يبيعا أي أسهم عادية منذ 13 فبراير2020″، أي منذ بداية الوباء. ولا يعد ذكر مثل هذه المعلومات في وثائق الإفصاح أمرًا شائعًا. ويبدو أن شاهين، الذي رفض التعليق، أراد أن يفهم الناس أنه لا يبيع أي أسهم في BioNTech.
حقق المسؤولين التنفيذيين في شركات مثل Moderna وفايزر وNovavax مكاسب في العام الماضي من بيع الأسهم المرتبطة بتوقعات المستثمرين، حول ابتكار وإنتاج اللقاحات من خلال بيع أسهم تصل قيمتها إلى نحو 500 مليون دولار حسب ما جاء في صحيفة وول ستريت جورنال.
وتواصلت عمليات البيع خلال العام الحالي. حيث باع الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا، ستيفان بانسل، ما قيمته 150 مليون دولار من أسهم الشركة منذ بداية الوباء. ولا يزال يمتلك نحو 8% من أسهم الشركة. كما باع طال زاكس ما قيمته 100 مليون دولار من أسهم الشركة، وهي تقريبًا جميع الأسهم التي حصل عليها منذ أن أصبح المدير الطبي لشركة Moderna عام 2015.
تؤكد موديرنا باستمرار أن جميع مبيعات الأسهم التي ينفذها مسؤولوها التنفيذيون تتم من خلال خطط تداول محددة مسبقًا، وضعت بموجب القاعدة التنظيمية للأوراق المالية 10b5-1، والتي تسمح قانونًا للمطلعين من الشركات ببيع عدد محدد مسبقًا من الأسهم بشكل دوري، وغالبًا تكون مرتبطة بأهداف سعرية معينة يتم تحقيقها.
باع الرئيس التنفيذي لشركة Pfizer، ألبرت بورلا، في نوفمبر الثاني، حوالي 60% من أسهمه في الشركة مقابل 5.6 مليون دولار تقريبًا، بموجب خطة محددة مسبقًا تحت بند 10b5-1.
جاءت عملية البيع في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه الشركة عن النتائج السريرية الرئيسية، التي أظهرت أن لقاحها فعال بنسبة تزيد على 90%. وتمت الموافقة على بيع أسهم بورلا في فبراير 2020، وتحديث الخطة في غشت الماضي. وبعد بضعة أيام، اقترح رئيس مجلس إدارة هيئة الأوراق المالية والبورصات، جاي كلايتون، عدم تداول المسؤولين التنفيذيين في أسهم شركاتهم فور وضع خطط تداول محددة مسبقًا.
ودعا كلايتون في جلسة استماع لمجلس الشيوخ الأميركي، إلى فترة “تهدئة”، لكنه لم يحدد مدة مقترحة لتلك الفترة. وقال كلايتون: “يمكنني أن أقدم حججًا قوية لدعم هذا القرار، سواء امتد لنحو أربعة أشهر، ليغطي الربع الأول من هذا العام كاملاً، أو ستة أشهر”. كما كان هناك شهور بالقلق من أن مبيعات أسهم شركتا Moderna وPfizer قد تقوض النظرة العامة للقاحات باعتبارها أدوات صحية عامة حاسمة.
من ناحيته، لم يبع شاهين أي أسهم من BioNTech خلال الـ 18 شهرًا الماضية. وتجدر الإشارة إلى أن حظر بيع أسهمه لفترة ما بعد الاكتتاب العام للشركة، قد انتهت صلاحيته في وقت قريب من بداية الوباء، كما تظهر وثائق الإفصاح المقدمة، وكان يحق له بيع الأسهم.
ومن المفارقات، أنه يعد في الوقت الحالي أكثر ثراءً ولو بشكل صوري حسب المعلومات التي تضمنتها الوثائق نتيجة لتمسكه بجميع أسهمه في شركة BioNTech مع الارتفاع المستمر في أسعار أسهمها. ويعتقد بالتأكيد أن التقنية المتطورة التي تطورها الشركة ستؤدي إلى تطوير علاجات ولقاحات لأمراض أخرى.
قال شاهين للمستثمرين في مكالمة هاتفية في وول ستريت في مارس/آذار: “لا تستند طريقتنا في تطوير تقنياتنا إلى الاعتماد على الفكرة التي تنفع لمرة واحدة. بدلاً من ذلك، كان هدفنا منذ البداية هو بناء نهج صناعي جديد للأدوية الدقيقة التي يمكنها تلبية الاحتياجات الطبية في مجالات الأمراض المتعددة”.