احمد فاضل النوري
على بعد أيام من مغادرة الحجر الصحي تدريجيا أو كليا حسب الحالة الوبائية بالمغرب طفا إلى السطح نقاش متجدد بين الماضي والحاضر أيهم أحق بالقيادة؟ أو أيهم أنجع في التسيير والتدبير ورفع مستوى المعيشة؟ هل التقنوقراطي صاحب الكفاءة في مجاله الذي يتجرد من كل الأيديولوجيات لخدمة الصالح العام كموظف عمومي؟ أم السياسي المنتخب الذي يزاوج بين المبدئية والانحياز لمن لا يملك من أجل أن تصل السفينة إلى بر الأمان مع أقل الخسائر؟ هل نظام المحاصصة الذي تسلكه الأحزاب قادر على إنتاج كفاءات حزبية مؤهلة لتدبير وزارات حساسة في وقت حساس؟ أم أن الحقائب الوزارية توزع بالأقدمية الحزبية لا بالأحقية العلمية والمعرفية؟
نقاش ليس وليد اللحظة ولن نتمكن من الإجابة عليه بشكلمطلق، مادامت ثُنائية التقنوقراطي والمنتخب حاضرة دائما في جميع الحكومات إما بشكل معلن أو خفي (تكنوقراطيون بقبعات حزبية)، ما يجعل تقييم كل تجربة على حدي بشكل متفرد صعب التحقق.
البداية:
كيف بدأت فقاعة حكومة الكفاءات؟ من نفخ فيها لتتفجر في وجه الإعلاميين والصحفيين والرأي العام لتصبح موضوعا للنقاش في الفضاء العمومي الافتراضي والواقعي؟ هل هذه الدعوة نتاج اللحظة “الكورونية“ الاستثنائية التي تستوجب البحث عن الأفضل قيادة وتدبيرا؟ أم ان الدعوة هي وحي سياسي دُبر بليل لحاجة في نفس يعقوب؟
بدأت الحكاية بافتتاحية نُشرت بـ ” l’observateur du Maroc et de l’Afrique” في الواحد والعشرين من ماي الجاري تدعوا الى “كوماندوس تقنوقراطي“ يقود حكومة كفاءات لمدة سنتين تنقذ الاقتصاد المغربي من زلزال جائحة كورونا، بينما الأحزاب تتوارى إلى الخلف لترميم الصف الداخلي والاستعداد لانتخابات 2022،افتتاحية بسيطة كان لها أثر الفراشة على الأحزاب معارضة وأغلبية، لكن ما الذي يجعل لِافتتاحية هذه القوة والوقع في الساحة السياسية؟ هناك تأويلات كثيرة بين من يعتبر كاتب المقال مقرب من دوائر السلطة وتعبيره هو تعبير عن رأي صناع القرار، وبين من اعتبره رسولا ينقل رسالة دون تحريف كما ذهب الى ذلك حزب التقدم والاشتراكية في جريدة بيان اليوم الناطقة باسمه …
يقول “هورس” أن الإمساك بالبدايات هو تَمَلُّك نسبي، وبالتاليفالنقاش يجب ان ينصب على الدعوة نفسها بدل البحث عن مصدرها، علينا أن نُسائل بشكل موضوعي ومتجرد فعالية المقترح مهما كان مصدره.
حكومة التقنوقراط:
بعد سقوط حكومة عبد الله إبراهيم سيعرف المغرب أول حكومة تقنوقراطية تتكون من وزراء غير متحزبين، بعد استبعاد السياسيين المنتمين الى حِزبَيْ الاستقلال، والشورى والاستقلال.باستثناء قلة قليلة من المتحزبين الذين يزينون الحكومة، خاصة مع حكومتي “أحمد باء حنيني ” و ” أحمد العراقي “، ليبدأعُرْفُ التقنوقراطي الذي يصعد إلى سدة الحكم دون أن تُفرزه صناديق الاقتراع، حضور سيستمر إلى يومنا هذا لكن بِنسب متفاوتة بعدما كانت له حصة الأسد سيخفت ظهوره ويتناقصبعد السكتة القلبية وحكومة التناوب.
لكن هل نجح التقنوقراطي بالشكل الذي يجعلنا نطالب بتنصيبه بشكل مطلق بعيدا عن الأحزاب؟ حكومة أحمد باحنيني لم يكن لها برنامج ملزمة بتنزيله ولا وقت محدد لنهايتها كما لم تكن مجبرة على تقديم حصيلتها إلا للملك … ورغم هذه الامتيازات كان مصيرها الحل بعد إعلان حالة الاستثناء وإغلاق البرلمان … أما حكومة احمد العراقي فلم يكن حالها أفضل من سابقتها بعد أن سقط بعض وزرائها في المحظور مُتَّهمين بالفساد ومُدَانينقضائيا …، ساهمت الأحزاب الإدارية في استمرار التقنوقراط عبر توفير الغطاء الحزبي للامنتمين، ليستمر تواجدهم خاصة على رأس ما تعتبره الدولة وزارات سيادية.
لكن هذا ليس مُسَوغا لجمع البيض في سلة واحدة وإدانةالتقنوقراط مع تحرير صك الاتهام في حقهم، خاصة بعد نجاحأشخاص في قيادة وزارات في أزمنة وأوقات مختلفة بقيادة تقنوقراطية.
من وزارات تقنوقراطية إلى حكومة تقنوقراطية:
تعايش المنتخب مع اللامتحزب داخل نفس الحكومة بعد دستور 2011 في حكومة عبد الإله بن كيران في صيغتها الأولى و الثانية و في حكومة العثماني ، اشتغلا جنبا إلى جنب بشكل منسجم بعض الأحيان و مع اختلافات طفيفة أحيانا أخرى ، في ظل جائحة كورونا تنازل الكثيرون عن خلافاتهم الحزبية و عملوا كيد واحدة لتجاوز المعيقات ، لكن الوزراء الذين نالوا الاستحسان و زينت صورهم الواجهة هم وزراء بدون قبعات سياسية ما مهد للمطالبة بحكومة كفاءات وطنية تُمسك زمام الحكم في هذه اللحظة المفصلية التي عرف فيها الاقتصاد نكوصا تسبب فيه الوباء .
دعوة لبست أقنعة متعددة فهي تارة حكومة وحدة وطنية، وتارة حكومة إنقاذ، وفي أحيان أخرى حكومة تصريف الاعمال …، تتعد التسميات لكن الجوهر واحد هو حكومة من اطر لا منتمين.
مشروعية الدعوة؟
_ أول عائق يعترض أصحاب هذه الدعوة هو العائق القانوني خاصة الفصل 47 من الدستور المغربي الذي ينص على اختيار رئيس الحكومة من الحزب الأول الفائز في الانتخابات.
_ إذا اعتبرنا الوضع استثنائيا وتدخل الملك لحل الحكومة وتعيينحكومة تصريف الأعمال سيبقى السؤال المطروح ما هو معيار نجاح هذه الحكومة؟ وما هو برنامجها؟ وكيف ستخضع للمحاسبة مقارنة مع الحكومة المنتخبة التي تحاسبها صناديق الاقتراع؟
_ عندما تبدأ حكومة تصريف الأعمال مشروعها، من سيعمل على انهاء هذا المشروع بعد انتهاء المدة المخصصة لها؟
خلاصات: