محمد الشمسي
ما أغبى هذا الغرب وما أحقره، وما أشد حرصه على النفخ على جمر الكراهية وإشاعة فكر العداء بين الشعوب، فما الجدوى من ترخيص السلطات السويدية لشاب أرعن بحرق نسخة من القرآن الكريم؟ من الصعب على كل ذي نهى أن يصدق أن حرق نسخة من القرآن يدخل في زمرة حرية التعبير، حتى لو رخصت ذات السلطات لطائش آخر بحرق الصليب المسيحي أو الشمعدان اليهودي، فاحترام الآخر في عقيدته من أبجديات حقوق الإنسان درءا لحرب دينية مقدسة لا تبقي ولا تذر، وأخص بالذكر الديانات السماوية الثلاث، وإلا سقطنا جميعا في التمييز والوحشيةو الإقصاء والهمجية، فقد نقبل تعرض ديانة معينة لنقد أوحتى لتجريح، لكن بلغة من عالم العلم والبحث والموقف، ليبقى منح دولة بجلال قدرها الإذن لمواطن من أجل حرق نسخة من القرآن الكريم ليس له مبرر ولا تفسير ولاحجة ولا غاية، بقدرما يرقى هذا السلوك غير الحضاري إلى جريمة ضد الإنسانية وضد الحضارة، لعله تطرف سينبري له تطرف المضاد.
وددت لو أن مفكرا سويديا محايدا لو يقرأ القرآن بعقل موضوعي، لوجد فيه من القيم والمثل العليا التي لن تجعله ينهر سلطات بلده، بل ستعجل باعتناقه هذا الدين السمح الذي قال لأكثر من 14 قرنا ونصف، “يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”، وهي رسالة لكل الناس من مسلمين وغيرهم، رسالة تواصل وتعرف وتقارب، ثم هي مساواة بين كل الخلق بغض النظر عن التفاوتات المادية والعلمية والاجتماعية والصحية، ذلك القرآن الذي استهل وحيه ب”ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٱلَّذِی عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ یَعۡلَمۡ”، وهي دعوة في صيغة أمر بطلب العلم والتعلم والتدبر، ليتضح أن ذلك الذي أضرم النار في نسخة منه هو واحد من ثلاثة، فإما أنه حاقد مشحون بشهادات زور في كتاب لم يقرأه، أو هو جاهل قرأ الكتاب بدون روية ولا فهم أو استيعاب، أو لعله مسترزق يقتات من رعونته وقلة حيائه وانعدام عفته، ويكفي القرآن فخرا أن جاء فيه “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، ولا يكفي المقام هاهنا لتعداد إحسان وصنع القرآن الكريم.
نختم أن تحقير عقيدة سماوية بأسلوب فج سمج، هو وجه من أوجه الإرهاب، ويزداد الحال سوءا حين تتبنى الدولة رعاية هذا الصنف من الإرهاب، فإذا كان هناك من يحاسب القرآن برعونة بعض من أهله فإن القرآن كان وسيظل كتاب حياة ومساواة، وكتاب كرامة وعدالة، وكتابا صان حقوق غير المسلمين، وأوصى بهم خيرا، كتاب حمى الحق في الاختلاف ولو كان في الملة والدين، ليبقى القرآن بريئا من كل سلوك منحرف لقلة من أتباعه، فقد انكوى الإسلام بنيران الإرهاب في حياة رسوله الكريم الذي هجروه من دياره، ونكلوا بأصحابه، ولا يزال القرآن محط ظلم كبير يطاله اليوم من بعض أنصاره الذين يفهمونه على أهوائهم ومصالحهم لا على حقيقته، ويسيؤون لمخالفيهم باسمه، مثلما يعاني من ظلم الغرباء عنه، الذين يرمونه بمنجنيق الحيف.