يجد المتتبع لأحداث المجتمع المغربي تنامي خطير لظواهر كانت إلى أمد قريب من مستحيلات هذا المجتمع المتسم بتقاليده و أعرافه ، فالبيدوفيليا و خصوصا من الأقارب ، و قتل الأصول و زنا المحارم و التحرش الجماعي و غيرها من الجرائم التي تفشت بمجتمعنا كانت نادرة الحدوث ، فما الذي حدث ؟ مالذي تغير بين الأمس و اليوم ؟
قد يقول البعض أن الفرق يكمن في تطور تكنولوجيا التواصل و شيوع المعلومة عكس الماضي الذي كان يتميز بالتكتم و الخوف من الفضيحة و العيش في جلباب الطابوهات .
قد نجد بعض العزاء في هذا التبرير ، نعم نبرر ما لا يبرر ، و كأننا عاجزين عن تشخيص سرطان انعدام الأخلاق .
حادثة التحرش الجماعي لمراهقين بفتاة قاصر وسط “الطوبيس” فجرت المسكوت عنه ، رمت الحجرة الأخيرة التي حركت مياه مستنقعنا الآسن ، انتفض الجميع منددا شاجبا مستنكرا لفعل ذأبنا على مشاهدته على مقاطع اليوتوب الأفغاني أو المصري و هي الدول المتصدرة لحالات التحرش عالميا ، انقسمت الأراء و المواقف بين من يحمل السائق و الركاب المسؤولية ، و بين من يلقي اللوم على الدولة و جهاز الأمن ، و بين من اتهم المدرسة و الأسرة بالتقصير .
إن المطلع على أبجديات السميائيات قد يجد بعض العون في سبيل مقاربة هذه الحالة الشاذة ، و ذلك ما يتضح في أعمال “بروس” و عوامل “چريماس” :
أليس المتحرش هو جيل الشباب الحالي الذي فقد بوصلة الأخلاق ، و انهارت عنده منظومة القيم بل أصبح يبحث عن “البوز” رغم التكلفة الباهضة في بعض الأحيان ، و قد نعتبر المتحرش أيضا هو الفساد الذي يمتص دم هذا الشعب .
أليست الفتاة هي الشعب، الضحية ، الخانع ، المستكين ، الراضي بواقعه ، الخائف من مجهول المستقبل ، حتى أصبحت عمليات الاغتصاب و السرقة بالإكراه تتم على “عينك أ بن عدي ” .
أليس السائق المتجاهل لما يجري بحافلته، هم مسيرو هذا الوطن ، الذين يهتمون بكل شيء إلا بأحوال هذا الشعب (الفتاة) و الذين يسوقون الحافلة إلى المجهول .
أليست الحافلة المهترئة الحاملة و الناقلة لكل الأطراف السابقة هي الوطن ، وطننا الذي تنخره الأزمات و المشاكل على كل المستويات و الذي يمضي بسرعة جنونية للإرتطام بالمجهول .
حادثة التحرش الجماعي عرت واقعنا المريض ، وضعتنا وجها لوجه أمام حقيقتنا البشعة التي نرفض تصديقها ، ها نحن نعارض رجال غسان كنفاني و ندق جدران الخزان ، ها نحن نصرخ بأن الإرتطام وشيك ، كلنا متهمون ، كلنا مذنبون ، كلنا مرضى إلى أن يثبت العكس ، كلنا ركاب الحافلة ، جميعنا الفتاة ، “إحنا بتاع الأتوبيس يا اخوانا”.