الرباط-عماد مجدوبي
دعا الملك محمد السادس، الحكومة إلى العمل على توضيح مضامين التعديلات على مدونة الأسرة وإيصالها إلى عموم المغاربة.
جاء ذلك خلال جلسة عمل ترأسها، الاثنين المنصرم، في القصر الملكي بالدار البيضاء، والمخصصة لمراجعة قانون الأسرة.
وتأتي الجلسة عقب تسلّم الملك تقريرًا من الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة بعد الانتهاء من مهامها.
كما وجه الملك المجلس العلمي الأعلى للاستمرار في البحث والاجتهاد لمعالجة القضايا والإشكالات المرتبطة بقانون الأسرة.
ورغم الإصلاحات الواسعة النطاق التي مست مدونة الأسرة، ولقيت قبولا لدى المحافظين والقوى الحداثية معا، وما تمثله من خطوة مهمة نحو تحديث التشريعات وتطويرها بما يتوافق مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها المجتمع المغربي. إلا أن هذه الإصلاحات الهامة تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في عجز الحكومة عن إيصال مضامين التعديلات الجديدة إلى عموم المغاربة بشكل واضح وشامل.
ظهر هذا العجز في أول امتحان للحكومة الحالية، حيث لم ينبس رئيسها عزيز أخنوش، سوى ببضع كلمات، اقتصرت على العموميات دون الخوض في تفاصيل التفاصيل، وإن فعل ذلك بطريقة أو بأخرى كل من وزير الأوقاف ووزير العدل، خلال اللقاء التواصلي، الذي عقد أمس الثلاثاء 24 دجنبر الجاري بمقر أكاديمية المملكة بالعاصمة الرباط، أمام وسائل الإعلام لعرض المضامين الرئيسية لمراجعة المدونة.
واللافت أن كلمة أخنوش، وهو يتلوها في ورقة كانت أمامه، لم تستغرق سوى حوالي دقيقتين مع الكثير من الارتباك، ذكر فيه بالجلسة مع الملك محمد السادس وتكليفه للحكومة بمباشرة مدونة الأسرة. والغريب أن السيد رئيس الحكومة قال إن اللقاء ”تواصلي” مع وسائل الإعلام من أجل إطلاعهم ومن خلالهم مكونات الرأي العام بالتعديلات الجوهرية التي أتت بها المدونة.
حضر كل شيء إلا التواصل خلال الندوة. فرغم الأهمية الكبيرة لموضوع المدونة التي تشغل بال المغاربة، وفي وقت ينتظر فيه الصحفيون أن يكون اللقاء تواصليا، وأن تُفتح باب الأسئلة لتنوير الرأي العام الوطني، اكتفى المسؤولون الحكوميون بعرض كلماتهم ثم انصرفوا، وسط استغراب نساء ورجال الإعلام حول جدوى قدومهم، وكان بالأحرى الاكتفاء بتصوير كلماتهم وتوزيعها على الصحافة دون عناء التنقل إلى طريق زعير من أجل حضور لقاء فيه مخاطبين دون تفاعل.
أبعاد الدعوة الملكية للحكومة بشرح مضامين المدونة
مثلت دعوة الملك محمد السادس لحكومته بالتواصل مع المغاربة لشرح مضامين التعديلات على مدونة الأسرة خطوة بالغة الأهمية في مسار الإصلاحات القانونية والاجتماعية بالمغرب.
وتعكس الدعوة إدراكًا عميقًا لأهمية الشفافية والمشاركة الشعبية في صياغة القوانين التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، خاصة فيما يتعلق بقضايا الأسرة والحياة الخاصة.
كما ترمي الدعوة إلى بناء حوار مجتمعي حول هذه التعديلات، مما يعزز مبدأ الشفافية ويضمن وصول المعلومات الصحيحة إلى جميع شرائح المجتمع. وتفتح المجال للمشاركة الشعبية في تقييم هذه التعديلات واقتراح التعديلات اللازمة.
وعليه، يشكل التواصل مع المغاربة حول هذه التعديلات ليس مجرد واجب قانوني، بل هو ضرورة اجتماعية. فكثير من المواطنين قد لا يكونون على دراية كاملة بمضامين هذه التعديلات وأثرها على حياتهم اليومية. لذا، فإن حملات التوعية ستساهم في فهم أعمق لهذه التعديلات وتقبلها.
ويواجه المغرب تحدي تنوعه الاجتماعي والثقافي، مما يتطلب جهودًا مضاعفة للوصول إلى جميع شرائح المجتمع بلغاتهم المختلفة وعاداتهم وتقاليدهم، خصوصا وأن بعض التعديلات، أثارت مخاوف وتوجسات لدى بعض الفئات المجتمعية، مما يستدعي التعامل مع هذه المخاوف، بفتح باب الحوار لتبسيط مضامين المدونة خصوصا في قضايا حساسة مثل الميراث والزواج والطلاق. وهناك حاجة ماسة إلى رفع مستوى الوعي القانوني لدى المواطنين، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالأسرة. وأي نجاح في العملية التواصلية من شأنه أن يساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وتقريب وجهات النظر بين مختلف مكونات المجتمع.
غياب آليات التواصل
فشل الحكومة في تبسيط مضامين مدونة الأسرة، يرافقه غياب حملات توعية واسعة النطاق حول التعديلات الجديدة لمدونة الأسرة، ما يطرح أكثر من علامات استفهام حول مدى نجاح الحكومة في إيصال مضامين هذه التعديلات إلى عموم المواطنين.
رغم دعوة الملك محمد السادس إلى التواصل مع المغاربة لشرح هذه التعديلات، إلا أن العديد من الفاعلين الحقوقيين والمجتمع المدني يرون أن الجهود المبذولة في هذا الصدد لم تكن كافية. ويعزو هؤلاء النقص في التوعية إلى عدة عوامل، أبرزها أن الحكومة اعتمدت بشكل كبير على القنوات الرسمية للتواصل، دون اللجوء إلى وسائل أكثر فعالية في الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع، كما استخدمت في شرح هذه التعديلات مصطلحات قانونية وأخرى شرعية معقدة يصعب على المواطن العادي فهمها، مما قلل من فعالية الرسائل المنقولة.
ويرى مراقبون أن هذا العجز في التواصل قد يؤدي إلى سوء فهم هذه التعديلات، وزيادة الشكوك حول نوايا صانع القرار. كما أنه قد يعيق اندماج هذه التعديلات في الحياة اليومية للمواطنين.
آثار العجز الحكومي
أدى عدم الوضوح في شرح التعديلات إلى سوء فهم لدى العديد من المغاربة لتعديلات مدونة الأسرة أو فهمها بشكل مشوه، مما أدى إلى انتشار شائعات وأخبار مغلوطة حول هذه التعديلات. كما خلق هذا العجز جوًا من الشك وعدم الثقة بين المواطنين والحكومة، مما أثر سلبًا على مصداقية الإصلاحات. وقد يؤدي عدم فهم المواطنين للتعديلات إلى صعوبة في تطبيق القانون على أرض الواقع، مما يزيد من نسبة المخالفات.
يشكل نجاح أي إصلاح يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة الحكومة على التواصل مع المواطنين وإشراكهم في عملية صنع القرار. وفي حالة تعديلات مدونة الأسرة، فإن نجاح هذه الإصلاحات يرتبط بشكل مباشر بمدى فهم المواطنين لهذه التعديلات وقبولهم لها. لذلك، فإن على الحكومة أن تبذل جهودًا مضاعفة لتجاوز هذا العجز في التواصل، وأن تعمل على بناء جسور الثقة مع المواطنين.