الرباط-متابعة
أثارت مسألة إعادة فتح المعابر التجارية بين المغرب وإسبانيا، بعد سنوات من الإغلاق، جدلاً واسعاً داخل المجتمع الإسباني، في الآونة الأخيرة، خاصة في ظل الشروط التي يضعها المغرب لتنفيذ الاتفاق.
ويعكس الجدل، وفق مراقبين، تداخل المصالح الاقتصادية والسياسية المعقدة بين البلدين، وتأثيرها المباشر على حياة المواطنين في المدينتين المحتلتين، سبتة ومليلية.
الشروط المغربية: بين التوازن التجاري والضغوط السياسية
الشروط التي يضعها المغرب لإعادة فتح المعابر، والتي تتضمن تحديد نوعية البضائع المتبادلة وكمياتها، تهدف في الأساس إلى تحقيق توازن تجاري عادل بين الطرفين. المغرب يسعى إلى حماية منتجاته المحلية من المنافسة غير العادلة، كما يسعى إلى تنويع علاقاته الاقتصادية مع إسبانيا.
ومع ذلك، فإن هذه الشروط تثير مخاوف لدى بعض الأوساط الإسبانية، خاصة في سبتة ومليلية، حيث يخشى البعض أن تؤدي إلى تراجع الاقتصاد المحلي وتقويض دور المدينتين كبوابات على أوروبا. كما أن هناك من يرى في هذه الشروط نوعاً من الضغط السياسي على إسبانيا، خاصة وأنه يتزامن الأمر مع قضية شائكة بين الرباط ومدريد، وتتعلق بتنازل إسبانيا عن إدارة المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب.
الانتقادات السياسية: بين المعارضة والحكومة
أحزاب المعارضة في إسبانيا، وعلى رأسها حزب فوكس، تشن هجوماً حاداً على الحكومة، متهمة إياها بالتنازل عن السيادة الوطنية لصالح المغرب.
من جهة أخرى، تحاول الحكومة الإسبانية التوفيق بين المصالح المختلفة، حيث تسعى إلى تحقيق توازن بين الحاجة إلى استعادة العلاقات الاقتصادية مع المغرب وبين الحفاظ على مصالح المدينتين المحتلتين.
وتؤكد حكومة بيدرو سانشيز أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، مع حكومة عزيز أخنوش في فبراير من سنة 2023، يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون بين البلدين، وأن الشروط التي تم الاتفاق عليها هي شروط عادلة ومتوازنة.
ويشكل قرار فتح الحدود الجمركية بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية المحتلتين نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، ويمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز التعاون الثنائي وتجاوز الخلافات التاريخية. إلا أن هذا القرار يثير في الوقت نفسه العديد من التساؤلات والتحديات التي تستحق التمعن والوقوف عليها.
رهانات كبرى
من شأن فتح الحدود الجمركية أن يعزز التبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا، ويفتح آفاقاً جديدة للاستثمار المشترك، خاصة في المجالات الصناعية والزراعية والسياحية. كما أن القرار يعد خطوة مهمة نحو تكريس العلاقات القوية التي باتت تجمع الرباط ومدريد، ويساهم في بناء مناخ من الثقة والتعاون بين البلدين.
وسيساهم فتح الحدود كذلك في تعزيز الاندماج الإقليمي في منطقة شمال إفريقيا، ويخلق تنمية مستدامة في المنطقة تعود بالنفع لشريعة واسعة من المغاربة القاطنين في المدن الشمالية وأيضا لسكان الثغرين المحتلين.
تحديات كثيرة
في المقابل المنافع التي قد يأتي بها إعادة فتح المعابر الجمركية بين المغرب وإسبانيا، إلا أن الأمر يواجه تحديات بالجملة، منها بالأساس أن فتحها من المحتمل أن يعيد نشاط بل وزيادة في عمليات التهريب، سواء كانت بضائع أو أشخاص، مما يتطلب تعزيز الرقابة الأمنية على الحدود.
و قد يؤدي فتح الحدود أيضا إلى زيادة المنافسة بين المنتجات المحلية والمنتجات المستوردة من سبتة ومليلية، مما يؤثر سلباً على بعض القطاعات الاقتصادية.
ويعتبر فتح الحدود الجمركية بين المغرب وإسبانيا خطوة ذات أهمية، إلا أنه يجب على الطرفين العمل معاً لتجاوز التحديات التي قد تظهر، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات. من الضروري أيضاً أن يتم التعامل مع هذا القرار بحذر، وأن يتم اتخاذ التدابير اللازمة لضمان نجاحه.
توترات إسبانية داخلية في ظل شروط المغرب
تتصاعد التوترات الداخلية في إسبانيا على خلفية شروط المغرب لإعادة فتح المعابر التجارية مع سبتة ومليلية في إطار عملية استئناف العلاقات التجارية عبر المعابر الحدودية بين المملكة والمدينتين المحتلتين.
أكدت الحكومة الإسبانية أن إعادة فتح هذه المعابر بات قريبا، بعد مضي نحو ثلاث سنوات على الاتفاق الذي أُبرم بين البلدين إلا أن التفاصيل الدقيقة حول موعد التنفيذ ما زالت طي الكتمان.
وسائل إعلام إسبانية، مثل “إلـ فارو دي مليلية”، أشارت إلى أن إعادة فتح المعابر مشروطة بالسماح للمغرب بتصدير مواد البناء والفواكه والأسماك والخضروات، مقابل السماح بدخول بعض المنتجات المحددة إلى أراضيه، دون تحديد واضح لتلك المنتجات.
لكن الانتقادات ارتفعت داخل إسبانيا بسبب اعتقاد البعض أن هذه الشروط قد تؤثر سلباً على المنتجين المحليين في سبتة ومليلية. مصادر وصفتها صحيفة ”الـ باييس” الواسعة الانتشار، أوضحت أن المغرب وافق على إدخال منتجات مثل مواد النظافة والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، شريطة أن تكون غير مصنّعة في المدينتين المحتلتين.
كما أن التبادل التجاري في الوقت الراهن سيقتصر على شاحنة واحدة يومياً في كلا الاتجاهين، وضمن قيود زمنية ومواصفات تتعلق بعدم خلط أنواع المنتجات والإبلاغ المسبق عنها. بينما أبقت وزارة الخارجية الإسبانية تفاصيل الاتفاق طي السرية، عمد المسؤولون المحليون إلى تخفيف حدة الجدل المثار، مؤكدين أن عملية فتح الجمارك تسير بخطوات تدريجية نحو تحقيق التوازن الكامل في العلاقات التجارية.
في المقابل، هناك أصوات من داخل مليلية ترفض ما أسمته “الإملاءات المغربية”. بينما مندوبة الحكومة في مليلية صرحت بأن الاتفاق يعكس “إرادة مشتركة لإنهاء الأساليب التقليدية للتجارة غير الرسمية”، مع تأكيدها أن النظام الجمركي الجديد سيتسق مع معايير العصر الحالي للتجارة بين الدول. أما في سبتة، فقد دعت مندوبة الحكومة للتحلي بالصبر، وأكدت أن إنشاء نقطة جمركية هناك يمثل تحدياً لوجستياً كبيراً نظراً لعدم وجود سابقة تاريخية لهذا النوع من التعاون. وأضافت أن التنسيق مع الجانب المغربي يسير بشكل جيد وأن الافتتاح بات قريباً جدا.
سياسياً، أثارت الشروط المغربية انتقادات واسعة من أحزاب المعارضة في إسبانيا. حزب فوكس اليميني المتطرف اتهم الحكومة بالتنازل عن السيادة الاقتصادية لصالح المغرب. من جهته، قال رئيس مليلية المنتمي لحزب الشعب الإسباني إنه يخشى أن يُحوّل الاتفاق مدينته إلى “جزء من المغرب”. كما شكّك في جدوى الإجراءات الجديدة، محذراً من أن شروط التجارة غير عادلة وقد تلغي بشكل فعّال دور الجمارك التاريخي الذي أداره الاتحاد الأوروبي لصالح المدينة.
في ظل هذا الجدل، يبقى السؤال الأكبر حول كيفية تفعيل هذا الاتفاق دون تعريض مصالح أي من الطرفين للخطر، خاصة في ظل حساسية القضية بين إسبانيا والمغرب، التي تتشابك فيها اعتبارات تجارية واقتصادية مع ملفات سيادية وسياسية معقدة.
إدارة المجال الجوي في الصحراء يرافق جدل فتح المعابر
رافق جدل إعادة فتح المعابر الجمركية، ملفا شائكا آخر ينتظر الحسم بين المغرب وإسبانيا، ويتعلق الأمر بمسألة إدارة المجال الجوي في الصحراء، الذي لا تزال تديره إسبانيا بنسبة كبيرة، بينما تريد الرباط أن تتولى مسؤولية ذلك، خصوصا بعد الموقف التاريخي لحكومة سانشيز من مغربية الصحراء.
ومما زاد الأوضاع تعقيدا موقف إسبانيا الغامض بشأن نقل إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب، وسط تساؤلات عديدة حول الدوافع الحقيقية وراء ذلك، والتداعيات المحتملة على العلاقات الثنائية وعلى الديناميكية السياسية في المنطقة.
ورفض وزير الخارجية الإسباني، ايمانويل ألباريس، خلال الأسبوع المنصرم، الكشف عن أي تفاصيل حول هذه المفاوضات، معتبراً أن الأمر يتعلق فقط بتقديم خدمة وليس بتسليم مجال جوي، ما يفتح الباب أمام العديد من التأويلات.