محمد شقير
أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية يوم الخميس 27 مارس 2025، بيانا باعتبار نائب القنصل العام المغربي في وهران، محمد السفياني، شخصا غير مرغوب فيه، مع إلزامه بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة. وقد ورد في هذا البيان أنها “استدعت المسير بالنيابة للقنصلية المغربية العامة لدى الجزائر خليد الشيحاني إلى مقر وزارة الشؤون الخارجية، حيث تم إبلاغه بقرار طرد السفياني لأسباب تتعلق بقيام المعني بتصرفات مشبوهة”.
كما أوضح بيان الخارجية أن “تصرفات المعني المشبوهة تتنافى مع طبيعة مهامه في الممثلية القنصلية المذكورة. بما يشكل خرقا للقوانين الجزائرية سارية المفعول في هذا المجال، وللقوانين والأعراف الدولية ذات الصلة، خاصة اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية”.وقد أثار هذا القرار الجزائري تساؤلات حول أسبابه وخلفياته فهل هو فصل جديد من فصول التوتر بين الدولتين أم أن الامر يندرج ضمن الحرب الاستخباراتية الدائرة بين البلدينرحلات سياحية

الخبير في العلاقات السياسية، محمد شقير
طرد نائب القنصل المغربي و توتر العلاقات الثنائية
لم تتوقف العلاقات بين البلدين الجارين عن التدهور طيلة العقدين الأخيرين والتي انتهت في غشت 2021، بإعلان الجزائر على لسان وزير خارجيتها قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، محملة المسؤولين في المغرب مسؤولية تردي العلاقات بين البلدين . لتقوم السلطات الجزائرية بعدها بأقل من شهر، بالإعلان عن الإغلاق الفوري لمجالها الجوي في وجه الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وتلك التي تحمل رقم تسجيل مغربي، مبررة ذلك باستمرار الاستفزازات والممارسات العدائية من الجانب المغربي. وبالتالي فبالاضافة إلى إمكانية اعتبار طرد نائب القنصل المغربي بوهران قد يكون ردا متأخرا وغير مباشر على ما سبق أن قامت به السلطات المغربية من استرجاع عقارات اعتبرتها الجزاىر تابعة لقنصليتها بالرباط والتي اعتبرته السلطات الجزاىرية إجراء غير مقبول، فهو بالمؤكد يندرج في سياق تصعيد وتيرة التوتر بين البلدين. فعلى الرغم من محاولة المغرب التخفيف من حدة هذا التصعيد من خلال دعوة العاهل المغربي في أكثر من مناسبة إلى فتح أبواب الحوار مع الجزائر، و تجنب التصعيد والبحث عن سبل التعاون في إطار الاحترام المتبادل، من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة المغاربية. والتركيز على أهمية تعزيز التفاهم المشترك وتعميق العلاقات بما يعود بالنفع على الشعبين الشقيقينن،
إلا أن السلطات الجزائرية بقيت محافظة على موقفها من التصعيد ، حيث زادت حدة التوتر في السنوات الأخيرة لأسباب عدة بينها اتهام المملكة بدعم منظمة تصنفها الجزائر “إرهابية”، وإبرام المغرب لاتفاقية ابراهام . وقد تفاقم هذا التوتر خاصة بعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء ، والذي انعكس مؤخرا من خلال إعلان الجزائر اعتبارها المناورات العسكرية المغربية الفرنسية ” شركي 2025″، المزمع إجراؤها خلال شهر شتنبر المقبل بمنطقة الراشيدية، المحاذية للحدود الجزائرية ، أمرا “بالغ الخطورة” ويحمل “دلالات استفزازية” أججت الأوضاع المتأزمة بين الجزائر وفرنسا
. وبالتالي يمكن القول بأن هذا الاجراء الدبلوماسي الجزائري يأتي في إطار تصاعد التصعيد بين فرنسا والجزائر بعد اعترافها بمغربية الصحراء والذي انعكس من خلال الحكم بالسجن خمس سنوات على الكاتب الفرنسي الجزاىري صلصال بعد تصريحاته التي تؤكد على مغربية أراضي ضمت للجزائر . كما يأتي وأنه يأتي بعيد تبادل الاتهامات بين ممثلي دولتي المغرب والجزائر في المحافل الدولية وذلك قبيل انعقاد اجتماع مجلس الأمن في منتصف أبريل القادم حيث سيقوم المبعوث الشخصي للامين العام دي ميستورا بعرض إحاطته على مجلس الامن حول تطورات قضية الصحراء.رحلات سياحية
طرد نائب القنصل المغربي والحرب الاستخباراتية بين الدولتين
ربط بيان وزارة الخارجية الجزائرية طرد نائب القنصل المغربي بقيامه بتصرفات مشبوهة تتنافى والقوانين الجزاءرية وكذا بنود اتفاقية فيينا الشيء الذي يلمح إلى اتهام مبطن بتورطه في أعمال استخبارتية. فالسلطات الجزائرية لديها قناعة سياسية لديها مترسخة بكون السلطات المغربية تستغل كل الفرص وكل الأشخاص للتجسس عليها بما في ذلك استخدام نظام بيجاسوس .إذ ينبغي التذكير بأن السلطات الجزائرية قد أشارت بأنه كان من بين أسباب قطع العلاقات مع المغرب في غشت 2021، تعرضها لمحاولات تجسس باستعمال برنامج بيغاسوس الإسرائيلي.
وقالت الرئاسة الجزائرية في ذلك الوقت في بيان شرح موقفها الذي تلاه وزير الخارجية السابق أمام المنتظم الدولي “إن الفضيحة، التي لا تقل خطورة عن سابقتها، والمتعلقة ببرنامج “بيغاسوس” قد كشفت، بما لا يدع مجالا للشك، عمليات التجسس الكثيفة التي تعرض لها مواطنون ومسؤولون جزائريون من قبل الأجهزة الاستخباراتية المغربية مستعملة في ذلك هذه التكنولوجيا الإسرائيلية”.
كما سبق للخارجية الجزائرية، أن دعت المجموعة الدولية لمعاقبة مستخدمي برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”. وقالت الوزارة إنها تشعر بقلق عميق بعد كشف مجموعة من المؤسسات الإعلامية ذات السمعة المهنية العالية عن قيام سلطات بعض الدول، وعلى وجه الخصوص المملكة المغربية، باستخدام واسع النطاق لبرنامج التجسس المسمى “بيغاسوس” ضد مسؤولين ومواطنين جزائريين، إلى جانب صحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وأعربت الجزائر عن إدانتها الشديدة لهذا الاعتداء “الممنهج والمرفوض على حقوق الإنسان والحريات الأساسية”.
كما نقلت وسائل إعلام جزائرية أن “مصالح الأمن ألقت القبض على 3 جواسيس بينهما اثنان من جنسية مغربية، في ولايتي وهران وسيدي بلعباس غرب البلاد، مع تقديمهم جميعا أمام القضاء بتهم “جناية التجسس والتخابر مع دولة أجنبية قصد معاونتها في خطتها ضد الجزائر، وجنحة العمل بأي وسيلة كانت قصد المساس بوحدة الوطن”. وقد أتت هذه العملية بعد نحو شهر ونصف من إعلان القضاء الجزائري، “تفكيك شبكة تخابر وتجسس بغرض المساس بأمن الدولة، تضم سبعة أشخاص من بينهم أربعة من جنسية مغربية، كانوا ينشطون بمنطقة تلمسان في أقصى الشمال الغربي الجزائري”.
ولعل ما يزكي بأن هذا الطرد يأتي في سياق هذه الحرب الاستخباراتية الدائرة بين أجهزة الدولتين هو أن وسائل الإعلام الجزائرية المقربة من المخابرات الجزائرية هي التي سارعت ، بنشر خبر طرد الدبلوماسي المغربي . كما يمكن أن نربط هذا الطرد برد غير مباشر للسلطات الجزائرية على ترحيل السلطات المغربية الناشط السياسي ومرشح رئاسي سابق ، رشيد نكاز، إلى فرنسا، وذلك عقب توقيفه في مدينة مراكش، بسبب نشره مقطع فيديو مستفز أثار جدلا واسعا بين الأوساط السياسية والإعلامية بالمغرب ، زعم فيه أن مسجد الكتبية التاريخي، قد بُني من طرف جزائريين، ووصف المشاركين في المسيرة الخضراء، عام 1975، بـ”المحتلين” و السيادة المغربية على الصحراء الغربية بـ”الاحتلال غير القانوني. مما أثار ردود فعل غاضبة في المغرب؛ حيث اعتُبر هذا التصريح إساءة للوحدة الترابية للمملكة وتدخلا في شؤونها الداخلية؛ مما دفع بهيئات مغربية للدعوة إلى محاكمة نكاز على تصريحاته، مؤكدة ضرورة التعامل بحزم مع كل من يمس بسيادة المغرب ووحدته الترابية.
وعلى الرغم من أن كل الاحتمالات واردة بشأن طرد نائب القنصل المغربي بوهران ، فلم يصدر لحد الآن أي رد رسمي من طرف السلطات المغربية المختصة على بيان وزارة الخارجية الجزائرية . في حين أدانت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان قرار طرد محمد السفياني، نائب القنصل العام للمملكة المغربية في مدينة وهران بالجزائر، حيث اعتبرت أن ” هذا القرار يشكل خطأ دبلوماسيا جسيما، لن تقتصر تداعياته على العلاقات بين المغرب والجزائر فحسب، بل ستكون له تأثيرات عميقة على الاستقرار الإقليمي. وأن هذا الاجراء سيعمق الهوة بين الشعبين الشقيقين، داعية السلطات الجزائرية إلى التراجع الفوري عن هذا القرار، وضرورة إعادة فتح قنوات الحوار بين البلدين لحل الخلافات بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين” .