الرباط-أسامة بلفقير
تعيش الجزائر هذه الأيام حالة صدمة ويأس تحاول تفريغهما من خلال دفع جماعتها المسلحة في تندوف في إطلاق “المفرقعات” على الجانب المغربي، في خطوة تعكس حجم الأزمة التي تواجه الطرح سنوات بعد عقود من الاستثمار فيه، ومحاولة الترويج لفكرة دولة جديدة لا توجد إلا فوق الأراضي الجزائرية التي تحتلها وتمولها وتسلحها، في مشهد ليس له مثيل على الصعيد العالمي.
تأتي حادثة المحبس إذن في سياق الوضع المتأزم للجزائر، بعيد الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، والذي حمل رسائل كان يمكن للجارة الشرقية التي تستغلها من أجل مد اليد للرباط، خاصة المملكة، وبتعبير ملكي صريح وسام، لا يمكن أن تقوم بأي شيء يسيء للجزائر.
لقد حمل الخطاب الملكي بهذه المناسبة رسائل شديدة اللهجة، كما حمل رسائل سلام ورغبة في بناء المشترك بين دول وشعوب المنطقة..فعندما يقول الملك محمد السادس، وهو يتحدث عن رغبة البعض في الوصول إلى الأطلس، بأن المغرب لا يرفض ذلك..فهذه إشارة إيجابية كان يفترض أن تلتقطها الجزائر بإيجابية أيضا.
لكن كما يقول المتنبي “إن أنت أكرمت الكريم ملكته..وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا”، وهذا بالضبط ما وقع مع الجزائر..فأن تحاول هذه الدولة استهداف مدنيين، من بينهم مسؤولون والمئات من أبناء الأقاليم الجنوبية للمملكة، فهذا وحده دليل على سوء حال الجزائر هذه الأيام.
ومن الرسائل التي أصابت الجزائر بالسعار، هي ما حمله الخطاب الملكي الذي أكد أن هناك من يستغل قضية الصحراء ليغطي على مشاكله الداخلية الكثيرة، وهناك كذلك من يريد الانحراف بالجوانب القانونية لخدمة أهداف سياسية ضيقة.
الملك أشار أيضا إلى أن أطراف خارجية تعمدت على مدار سنوات استغلال قضية الصحراء المغربية ضدا على مصالح المغرب العليا ووحدته الترابية وسيادته على أقاليمه الجنوبية الثابتة بحكم مبادئ الحق والشرعية.
وتأسف الملك محمد السادس لوجود “عالم آخر منفصل عن الحقيقة مازال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن”، مبرزا أن “هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي الوقت نفسه يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخُذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق”.
وفضلا عن الرسائل الملكية الصريحة والصارمة، التي تضع أيضا الأمم المتحدة أمام مسؤوليتها، جاءت تصريحات ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بمجلس النواب، لتضع النقط على الحروف وتحذر من محاولات جر المنطقة إلى حرب إقليمية.
هذه المخاوف التي عبرت عنها الرباط، لابد أنها قد أثارت مخاوف الدول الكبرى التي لها مصالح في المنطقة، ولا ترغب بشكل قطعي في وجود نزاع مسلح سيؤدي حتما إلى ضرب الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، التي تنشط فيها الجماعات المسلحة ذات الارتباطات الوثيقة بجماعة “البوليساريو”.
في الواقع، لقد فضح وزير الخارجية المغربي النظام الجزائري الذي يسعى، بأي ثمن، إلى تفريغ الأزمة الداخلية على افتعال أزمات خارجية في مواجهة المغرب. لذلك، فإن جر المنطقة إلى نزاع مسلح سيكون بمثابة متنفس للنظام الجزائري العسكري، رغم أن هذه المغامرات غير المحسوبة ستكون بمثابة رصاصة الرحمة للشعب الجزائري الذي يعيش حالة من التفقير والقهر وسياسة “البونات” التي توزعها العساكر على المواطنين.
لذلك، ينبغي يفهم رسالة مقذوفات المحبس في هذا الإطار..أي إطار الأزمة التي تعيشها الجزائر، فيما كان الرد أقوى من صوت مقذوفات الخردة التي لا تختلف في شيء عن الخردة التي عرضتها الجزائر في موكبها العسكري الأخير..كان صوت الحاضرين في خيمة المحبس أقوى من أن تزحزحه تلك مفرقعات..فكان رد الجميع قويا وصادحا “الصحراء صحراؤنا..والملك ملكنا”.