محمد الغفري – فاعل حقوقي
حملت الرسالة الملكية دعوة إلى الشعب المغربي، للامتناع عن ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى لعام 2025، وحسب منطوق الرسالة:
“…استحضارنا لما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية….”
هذه ليست المرة الأولى التي يُتخذ فيها مثل هذا القرار في المغرب؛ فقد سبق وأُلغي ذبح الأضاحي في سنوات 1963، 1981، و1996، بسبب ظروف اقتصادية ومناخية مشابهة.
في سنة 1963، كان السبب هو “حرب الرمال” مع الجزائر، التي استنزفت الموارد المالية للمغرب، مما أدى إلى أزمة اقتصادية حادة. وفي سنة 1981، حدث جفاف شديد أثر على القطاع الفلاحي، مما أدى إلى نقص في الموارد المائية وتراجع اقتصادي. أما في سنة 1996، فقد أثر الجفاف على الماشية والمحاصيل الزراعية، وهدد بحرمان العديد من الأسر من ممارسة شعيرة العيد.
لكن هذه السنوات لم تكن تعرف استثمارات ضخمة بملايين الدولارات في القطاع الفلاحي. حيث تم إحداث استراتيجية وطنية في القطاع الفلاحي سنة 2008 سميت بمخطط المغرب الأخضر، وكان من بين أهدافها:
– جعل القطاع الفلاحي محركًا للنمو الاقتصادي والاجتماعي في المغرب عبر تطوير فلاحة عصرية ذات قيمة مضافة عالية وإنتاجية قوية.
– رفع مردودية المحاصيل وتحسين جودتها لتلبية المعايير الدولية، مما يعزز تنافسية المنتجات الفلاحية المغربية في الأسواق الخارجية.
استثمر في هذا المخطط حوالي 10 مليارات دولار، والنتيجة في سنة 2025 هي أننا غير قادرين على تحقيق الأمن الغذائي للمغاربة في الخضر والفواكه واللحوم والأسماك، وطبعًا ليس لدينا الاكتفاء الذاتي في الماشية، خاصة الأغنام والأبقار.
إذاً، إن إلغاء ذبح الأضاحي هو إقرار بوجود مشاكل في الاستراتيجية الزراعية والمائية.
لكن، هل يعني هذا إقرارًا بفشل مخطط المغرب الأخضر؟ أعتقد أنه لا يمكن الإقرار بفشل المخطط، لأن الحكومات المتعاقبة والسياسات المنتهجة في هذا القطاع نجحت في خدمة شق واحد من المخطط، وهو الفلاحة التصديرية.
حيث عملت الحكومات المتعاقبة، والتي كانت سياساتها في خدمة الباطرونا، على تنمية وخدمة كبار الفلاحين الذين يركزون على الفلاحة التصديرية، بينما الفلاح الصغير الذي يمون السوق المحلي بقي رهين سياسات تحجم فلاحته بدل تنميتها.
نتيجة لتركيز السياسات الحكومية على الفلاحة التصديرية، ارتفع حجم الصادرات الفلاحية المغربية، وخاصة في المنتجات الطازجة كالفواكه والخضروات، مما جعل المغرب من بين كبار المصدّرين لبعض المنتجات الزراعية عالميًا.
لكن، تم إهمال الفلاحة الموجهة إلى السوق الداخلي، وظل المواطن يخضع لتقلبات السوق وللمحتكرين الكبار، كما فضح ذلك “عبد الإله مول الحوت”.
فأصبح المواطنون يتمنون، على غرار عبد الإله مول الحوت، نسخًا متعددة مثل عبد الإله مول البيض وعبد الإله مول الدجاج وعبد الإله مول اللحم وعبد الإله مول الخضرة وعبد الإله مول الدوا…
بل إن السياسات الحكومية، وخاصة الحكومة الحالية، ورغم كثرة الشعارات في الشفافية، لم تعمل على محاربة وتجريم بيع المواد الفلاحية وغير الفلاحية “تحت الطبلة” ثلاث أو أربع مرات قبل أن تصل إلى المواطن.
وأيضًا، من جانب آخر، ورغم زخم الشعارات في مجال الماء، فإنها لم تتكيف مع التغيرات المناخية، رغم مرور المغرب بسنوات من الجفاف. بل يبدو أن هناك نقصًا في استراتيجيات التكيف مع ندرة المياه، مثل توسيع مشاريع تحلية المياه أو تحسين إدارة الموارد المائية للقطاع الفلاحي.
الخلاصة من هذا القرار الرابع من نوعه في المغرب، هي أن حكومة الباطرونا، التي هي نتيجة انتخابات أصحاب الشكارة، كانت وما زالت في خدمة الباطرونا، أي في خدمة الفئة التي تنتمي إليها، وليس في خدمة عموم الشعب.
وقبل إعادة النظر في الاستراتيجية الوطنية للفلاحة والاستراتيجيات الوطنية في التعامل مع نقص المياه، يحتاج المغرب إلى نظام انتخابي جديد يفرز حكومة تنتمي إلى الشعب وتخدم عموم الشعب، وليس حكومة فئوية تخدم فئتها فقط وتتعسف على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.