24 ساعة ـ عبدالرحيم زياد
وقّع المغرب وفرنسا اتفاقية تاريخية في الرباط، بحضور وفود بحرية ودبلوماسية من البلدين، تُتوّج سنوات من التعاون المنهجي والهادئ بين السلطات الهيدروغرافية في البلدين. هذه الاتفاقية، التي تُمكّن المغرب من تولي إنتاج وتحديث وتوزيع الخرائط البحرية الرسمية لمياهه الإقليمية بشكل كامل. تمثل إنجازًا تقنيًا ومؤسساتيًا ورمزيًا يعكس طموح المملكة في تعزيز سيادتها البحرية.
من التعاون إلى الاستقلالية
لطالما كانت مهمة إنتاج الخرائط البحرية للمياه المغربية من اختصاص الخدمة الهيدروغرافية والمحيطية للبحرية الفرنسية (Shom). وهي مؤسسة عمومية تأسست عام 1720 وتعمل تحت إشراف وزارة الدفاع الفرنسية. لكن الاتفاقية الجديدة تنقل هذه المهمة إلى اليد المغربية، متمثلة في قسم الهيدروغرافيا والمحيطات والخرائط (DHOC) التابع للبحرية الملكية المغربية.
هذا الانتقال لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تعاون طويل ومنظم بين الطرفين. فقد قدمت الخدمة الفرنسية دعمًا تقنيًا متقدمًا شمل تدريبات متخصصة، تبادل الخبرات، والإصدار المشترك للخرائط البحرية وفقًا للمعايير الدولية. هذا الدعم مكّن القسم المغربي من بناء قدراته تدريجيًا حتى وصل إلى مرحلة النضج الكامل، مما يؤهله اليوم لتحمل مسؤولية إنتاج الوثائق الملاحية الضرورية لضمان سلامة الملاحة في المياه الخاضعة للسيادة الوطنية.
🇫🇷 🤝 🇲🇦 La France et le Maroc ont signé un nouvel accord de partenariat, transférant la responsabilité de production et de diffusion des cartes marines des eaux marocaines du service national français d'hydrographie et d'océanographie (Shom) à la Marine Royale Marocaine. pic.twitter.com/ObgTaRxazE
— La France au Maroc 🇫🇷🇪🇺 (@AmbaFranceMaroc) April 11, 2025
أهمية سيادية وتقنية
تتجاوز هذه الخطوة مجرد نقل مهام تقنية، إذ إنها تكرس سيادة المغرب على مجاله البحري بشكل كامل. فالخرائط البحرية ليست مجرد أدوات ملاحية. بل هي تعبير عن السيطرة على المعرفة والتمثيل الجغرافي للفضاءات البحرية. وهي عناصر حاسمة في ضمان الأمن القومي، حماية البيئة البحرية، وتدبير الموارد.
من خلال هذه الاتفاقية، يصبح قسم الهيدروغرافيا والمحيطات والخرائط المغربي الجهة الرسمية المعتمدة لدى المنظمة الهيدروغرافية الدولية (OHI). مما يعزز مكانة المغرب كدولة ساحلية تملك القدرة على إدارة مواردها البحرية بشكل مستقل. هذا الإنجاز يتماشى مع توجه عالمي يشهد تأكيد الدول الساحلية على سلطتها في مجالات المعرفة والتخطيط البحري.
رمزية التعاون المغربي-الفرنسي
تُظهر هذه الاتفاقية نموذجًا متميزًا للتعاون بين دولتين بحريتين، يقوم على تقاسم المعرفة، الدقة العلمية، واحترام السيادة المتبادل. فقد ساهمت فرنسا، عبر خبرتها الطويلة في المجال الهيدروغرافي. في تمكين البحرية الملكية المغربية من بناء قدراتها دون أي مساس باستقلالية القرار الوطني. هذا النهج يعكس مستوى عاليًا من الثقة المتبادلة، ويبرز قدرة المغرب على استيعاب التقنيات المتقدمة وتكييفها مع احتياجاته.