كريمة سلامة
عندما قررت خوض التجربة الانتخابية للمرة الثانية على التوالي، لم يكن في بالي اني سانحى ما انحيت اليه فيما بعد .
قبل الاستحقاقات ربطت عدة اتصالات و لقاءات اغلبها كانت مرحبة و مشجعة. التقيت بأناس لهم مكانهم الاعتباري سياسيا و مجتمعيا، كلهم كانوا في قمة الاناقة و اللياقة.
المهم اني سطرت في مخيلتي خريطة الطريق التي سأعمل على نهجها انتخابيا، و الهيئة السياسية الاقرب الى قناعاتي الفكرية و التي اود الانتماء اليها.
المهم اقتربت موعد الايداع الترشيحات و ازدادت وثيرة التحركات و التنسيقات هنا و هناك مع هذا و ذاك….
في هذه الفترة بالذات تفاجأت بخلط الامور و نكس العهود و مراوغة الاشخاص بعد حصري في زاوية الوقت، بين القليل الصريح و الكثير المراوغ..
هنا بدأت اتساءل ايستحق الامر كل هاته التقلبات و غرس الخناجر..
تراجعت خطوة للوراء و اعدت ترتيب الاوراق بناء على المعطيات الحاضرة و المفاجأة امامي، غيرت بوصلتي تماما عما كنت انويه.. تم تزكيتي من الحزب الذي انتمي اليه الآن بدون اي شرط او قيد يذكر بل بعزة و ترحاب كريمين – عكس هيئتين سياسيتين اخرتين و اللتان كنت اعتبرهما اقرب لي فكريا-
قررت خوض الحملة للانتخابية بكل عزم و جرأة و اصرار، بل اختراق جدار الفكر الذكوري اللذي للاسف لازال مسيطر على ثقافة بلدي و منطقتي على الخصوص..
كانت تجربة استثنائية اضهرت لي الكثير و أجابت عن العديد من الابهام الذي كان يتباذر الى ذهني بين الفينة و الاخرى..
حاولت ان اساهم في تقوية الفريق الذي كنت اخوض معه التجربة .
فريق التراكتور كان في مجمله فريق قوي بأشخاصه و مواقفه و بساطته. اكتشفت فيه التقدير الكبير للمراة عكس ما كنت اتصور.. فريق بادلني و بادلتهم المحبة و الاخوة و التقدير..
(اخواني فريق الاصالة و المعاصرة بجماعة المرابيح اقول لكم كنتم رجالا بمعنى الكلمة و انتم الفائزون بكل تاكيد بغض النظر عن ما افرزته صناديق الاقتراع ،و ساكون معكم متى احتجتموني).
اعود الى بداية الحملة الانتخابية بالدوائر 14 التي كنا نغطيها كحزب. طبعا بعد تجهيز المركبات التي كانت ترافقنا بالصور و الشعارات التي اعتمدناها كهيئة سياسية و بمكبر الصوت الذي يعتبر اهم التجهيزات في مثل هذه المناسبات.. فعن طريقه يمكن اسماع الاصوات المرشحين و الجهر برنامجهم المنتظر تحقيقه ( اعتقد اني وفقت و لو نسبيا في مسالة مكبر الصوت) . و بعد ولوج لبعض دواوير هذه الدوائر تفاجأت فعلا من حفاوة الاستقبال تارة و من عمق النقاش و الإدراك و الترافع الشفاف للمطالب مع مختلف مكونات الساكنة التي زرناها، في مجملها منتظرات بسيطة الى متوسطة يمكن إنجازها تحت اي ظرف..ادركت ان الناس بسطاء جدا في عيشهم و محياهم، بسطاء حتى في مطالبهم، .
بين كل الدوائر التي زرناها و الدوواوير التابعة لها كانت الأمور مفاجئة لي بشكل ايجابي و جميل، الا دائرة واحدة بل دوار وحيد صدمت بردة فعل بعض من ساكنته التي كانت بعيدة كل البعد عن شهامة ناس جماعة المرابيح، لكنها كانت ردة فعل اعطت اكلها فيما بعد.. لا يهم اعتبرت ذلك تجربة استثنائية اثبتت لي اني قوية في كل المواقف و الحمد لله..
انتهت الحملة الانتخابية و جاء يوم الاقتراع.
فعلا يوم استثنائي بكل المقاييس، بما له و بما عليه من سلوكيات و تصرفات و تحركات و نظرات متفائلة احيانا و متشائمه احيانا اخرى..
شكاوى هنا و هناك، اخبار عن تصرفات مشينة و تدخلات غير مرغوبة تصل عبر هاتفي من مختلف الدوائر التي كانت مركز اهتمامي.. اخبار عن خدلان الاهل و المقربون، تصلني مرة موثقة و مرة اقرب الى الحقيقة.
اخبار عن هضر الكرامة و شراء الذمم و تغيير المواقف بثمن بخس..
اخبار عن الرجولة و المروؤة اقل تداولا ..
المهم بدأ الفرز و بدأت اخبار نتائج صناديقه تصل بين منتشي و يائس..بين مهلل و مضجر، بين خيبة الامل و بين الرضاء بما قدر الله.
بلغت شمس فجر جديد .. وجدت نفسي بين متناقضات جمة .. احترت بين التبريكات و المواساة..
في النهاية خرجت من التجربة برصيد من الوعي و الادراك لواقع الامر، الذي يختلف تماما عما يترأى من بعيد..
خرجت بدرس لم ولن تلقنه لي المدارس و المعارف.. درس لن ادركه ان لم اعشه بجزئياته و تفاصيله..
ادركت ان اللعبة السياسية شعاراتها تختلف تماما عن ممارساتها.
ادركت ان المجتمع يلزمه سنوات و سنوات و ربما عقود لادراك انه حر و غير مستعبد.
ادركت في هذه التجربة المتواضعة ان الجهل اقوى من العلم للاسف، و ان المواقف غير ثابتة مهما حاولت تباتها.
ادركت ان السياسة ليس فيها عدو مطلق و حبيب دائم.
ادركت ان الاوراق قد تختلط بهبة نسيم عليل و ليس بالضرورة هبوب رياح عاتية..
ادركت ان صاحب الشهادات العليا يجاهد النفس لإيصال الجاهل لمركز القرار ليعاتبه مرة اخرى على جهله..
بل ادركت ان هناك من يستغل احسانك الذي اثرت على نفسك عدم اظهاره و جعله خالصا لوجه الله بالركوب عليه و نسبه للغير دون حياء و استحياء بل اعتماده اساسا لحملة نجسة ..
ادركت ان للنفاق وجوه كثيرة..
ادركت ان للمال و الثروة حسابات اخرى.
لكن اهم بالنسبة لي اني ادركت ان محبة الناس لا تباع و لا تشترى بل كنز لا ثمن له .